يعني لا يحمل عليه من سيئات ما لم يعمله ولا ينقص من حسنات ما عمل، ولو كان
الظلم هو المستحيل الذي لا يمكن وجوده لم يكن لعدم
الخوف منه معنى ولا للأمن من وقوعه فائدة، وقال تعالى: من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد (1)، أي لا يحمل المسئ عقاب ما لم يعمله ولا
يمنع المحسن من ثواب عمله. وقال تعالى: وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون (2)، فدل على أنه لو أهلكهم مع اصلاحهم لكان ظلما، وعندهم يجوز ذلك وليس بظلم لو فعله، ويؤولون الآية على أنه سبحانه أخبر أنه لا يهلكهم مع اصلاحهم، وعلم أنه لا يفعل ذلك وخلاف خبره ومعلومه مستحيل، وذلك حقيقة
الظلم، ومعلوم أن الآية لم يقصد بها هذا قطعا، ولا أريد بها ولا يحتمله بوجه، إذ يؤل معناها إلى أنه ما كان ليهلك القرى بسبب اجتماع النقيضين وهم مصلحون، وكلامه تعالى: يتنزه عن هذا ويتعالى عنه، وكذلك عند هؤلاء أيضا العبث والسدي (3)
والباطل كلها هي المستحيلات الممتنعة التي لا تدخل تحت المقدور، والله تعالى قد نزه نفسه عنها، إذ نسبه إليها أعداؤه المكذبين (4) لوعده ووعيده المنكرين لأمره ونهيه، فأخبر أن ذلك يستلزم كون الخلق عبثا وباطلا، وحكمته وعزته تأبى (تنافي خ ل) ذلك قال تعالى: أفحسبتم أنما
____________________
(1) فصلت. الآية 46.
(2) هود. الآية 117.
(3) السدى بضم السين المهملة. المهمل والباطل وفيه إشارة إلى قوله تعالى في سورة القيامة. الآية 36.
(4) وحق العبارة هكذا: (إذ نسبها إليه تعالى أعداء. المكذبون لوعده ووعيده المنكرون لأمره ونهيه).