أقول:
إن الناصب لم يفهم أن مراد المصنف قدس سره من الداعي ماذا؟ فإن مراد المصنف بالداعي الإرادة المفسرة عنده وعند سائر الإمامية، وجمهور المعتزلة بالعلم بالنفع والعلم بالأصلح على اختلاف العبارتين، وحينئذ كيف يمكن أن يتوهم من كلام المصنف أنه ادعى أن إسناد أفعال العباد إلى تحقق الدواعي وانتفاء الصوارف ينافي سبق إرادة الله تعالى؟ حتى يرد عليه، بأنه لا ينافي ذلك، وبالجملة حاصل كلام المصنف أن ما ذهب إليه الأشاعرة من أنه تعالى يريد كل ما وقع في الوجود من الطاعة والمعصية يخالف ما هو المحسوس من إسناد الأفعال إلى داعي الإرادة المفسرة بالعلم بالنفع، فإنه لو كان الباري تعالى مريدا لكل الموجودات كما قالوا يلزم أن يفعل من غير علم بالنفع وبدون ملاحظة الأصلح، إذ لا نفع ولا أصلحية في إصدار بعض تلك الموجودات وهي القبائح المحكوم عليها في الشاهد بالقباحة، وعلى هذا لا يصير كلام الناصب مقابلا لكلام المصنف أصلا كما لا يخفى، ومن حصل له معنى محصلا مرتبطا بكلام المصنف فنحن في صدد الاستفادة، وأما ما ذكره من إبطال قاعدة الحسن والقبح العقليين، فقد عرفت بطلان إبطاله مما قررناه آنفا.
قال المصنف رفع الله درجته المطلب السادس في وجوب (1) الرضا بقضاء الله تعالى، اتفق الإمامية والمعتزلة
____________________
(1) لا يخفى عليك أن مسألة وجوب الرضا بالقضاء والقدر مما اختلفت الكلمة فيها، فأصحابنا جلهم ذهبوا إلى وجوبه وتمسكوا فيها بالأدلة السمعية والعقلية، والسمعية بين