قال المصنف رفع الله درجته المبحث السابع في أنه تعالى متكلم (1): وفيه مطالب الأول في حقيقة الكلام، الكلام عند العقلاء عبارة عن المؤلف من الحروف المسموعة، وأثبت
الأشاعرة كلاما آخر نفسانيا مغايرا لهذه الحروف والأصوات ولتصور هذه الحروف و الأصوات، ولإرادة إيجاد هذه الحروف والأصوات، وهذه الحروف والأصوات دالة عليه، وهذا غير معقول فإن كل عاقل إنما يفهم من الكلام ما قلنا: فأما ما ذهبوا إليه فإنه غير معقول لهم ولغيرهم البتة، فكيف
يجوز إثباته لله تعالى وهل هذا إلا
جهل عظيم؟ لأن الضرورة قاضية بسبق التصور على التصديق، وإذ قد تمهدت هذه المقدمة فنقول: لا شك في أنه تعالى متكلم على معنى أنه أوجد حروفا وأصواتا مسموعة قائمة بالأجسام الجمادية، كما كلم الله تعالى موسى من الشجرة فأوجد فيها الحروف والأصوات،
والأشاعرة خالفوا عقولهم، وعقول كافة البشر، فأثبتوا له تعالى كلاما لا يفهمونه هم ولا غيرهم، وإثبات مثل هذا الشئ و المكابرة عليه، مع أنه غير متصور البتة، فضلا عن أن يكون مدلولا عليه، معلوم
البطلان ومع ذلك فإنه صادر عنا أوفينا عندهم ولا نعقله نحن ولا من ادعى ثبوته " إنتهى " قال الناصب خفضه الله أقول: مذهب
الأشاعرة أنه تعالى متكلم، والدليل عليه إجماع الأنبياء
____________________
(1) أطبقت الكتب السماوية وكلمة أرباب الملل على أنه تعالى متكلم، والاختلاف في حقيقة كلامه وكيفيته من الحدوث والقدم وعينيته للذات وعدمها وأنه من مقولة الألفاظ أو المعاني القائمة بذاته، وسيأتي ما هو الحق الحقيق بالقبول.