للعلم واجب وتخلفه عنه محال عقلا فهذا باطل، لإمكان عدم التفطن للنتيجة مع حصول جميع الشرائط عقلا، فلا يكون التخلف محالا عقلا، وإن أراد الوجوب عادة بمعنى استحالة التخلف عادة وإن جاز عقلا، فهذا عين مذهب
الأشاعرة كما بينا وأما قوله: إن
الأشاعرة جعلوا حصول العلم عقيب المقدمتين اتفاقيا، فافتراء محض، لأن من قال: بالاستلزام عادة على حسب ما ذكرناه من مراده، لم يكن قائلا بكون اتفاقيا، كما صوره هو في الأمثلة على شاكلة طاماته وترهاته وكأنه لم يفرق بين اللزوم العادي وكون الشئ اتفاقيا (1) أو يفرق ولكن يتعامى ليتيسر له التشنيع والتنفير والله " إنتهى. " أقول: فيه نظر ظاهر، أما أولا فلأن ما فرعه على كونه تعالى قادرا مختارا من عدم
وجوب صدور شئ، ولا
وجوب شئ عليه مردود، بأنه لا يلزم من كون الشئ قادرا مختارا أن لا يجب عليه شئ كما قالوا: إن الوجوب بالاختيار عين الاختيار، فإنهم قالوا: إنه يجب صدور الأشياء عن الله تعالى على مقتضى علمه و يمتنع عدم صدورها مع أنه لا ينافي الاختيار، وأما ثانيا فلأن ما ذكره: من أن
الخصم إما أن يقول: كذا، وإما أن يريد: كذا، مدفوع بأن
الخصم لا يقول و لا يريد شيئا من ذلك، بل يدعي البداهة هنالك مع تجشم الأشعري تلفيق ألف ترديد وتشكيك مثل ذلك، ويقول: إن بديهة العقل حاكمة بأن تخلف النتيجة عن النظر الصحيح المستجمع للشرائط محال عقلا، والمنكر مكابر لا يستحق الجواب، وقد سبق ما يوضح هذا في أوائل الكتاب، وأما ثالثا فلأن ما ذكره من أن نسبة
الأشاعرة إلى جعلهم حصول العلم عقيب المقدمتين اتفاقيا افتراء محض
____________________
(1) لا يخفى على من نظر إلى كلام مولينا العلامة ظهر له أن مراده " قده " من الاتفاق عدم الترتب القهري لا الاتفاقية المقابلة للزوم العادي كما لا يخفى.