مكابرة على المقدمة الكلية العقلية الضرورية فلا يستحق إلا الاعراض على أن ظاهر ما ذكره من أن الاحتياج إلى الغير الذي لم يكن من ذاته يوجب الامكان يقتضي أن الواجب لو احتاج إلى شئ من السماويات والأرضيات أيضا لا يكون ذلك موجبا لإمكانه لأن الكل ناش من ذاته (وفساده أظهر من أن يخفى) وأما ما أجاب به هيهنا ثانيا بقوله: قلنا لا يلزم التكثر لأن الصفات الزائدة ليست غيره مغايرة كلية كما سبق فمردود بما سبق من كونه في السخافة نظير قول من ضل منه الحمار وأما الناصب المهذار (1) فمثله كمثل الحمار الذي يحمل الأسفار (2) وأما ما أجاب به ثالثا من
جواز كون البقاء قائما بذاته تعالى من غير احتياج الذات إليه فهو كلام فاسد كإثبات وجودات متعددة وتشخصات متعددة وعلوم متعددة من غير حاجة له إليها وبالجملة ليس في ذلك سوى إثبات فضل نزه العقلا من الحكماء الأجرام الفلكية عنها لشرفها فكيف لا ينزه الله سبحانه عنه وأما ما أجاب به رابعا من أن البقاء موصوف ببقاء هو عين ذلك البقاء الخ ففيه أن المتنازع فيه بيننا وبينكم هو أنه هل
يجوز أن يكون تعالى باقيا بالبقاء الذي هو عين ذاته أم لا فإذا جاز أن يكون البقاء باقيا بالبقاء الذي هو عين ذاته جاز أن يكون بقاؤه تعالى أيضا كذلك فانهدم بنيان ما استدل به شيخكم الأشعري (3) من أن الواجب باق، فلا بد أن يقوم به معنى هو البقاء كما ذكر في المواقف وشرح التجريد وأيضا
الأشاعرة إنما ذهبوا إلى زيادة الصفات وأنكروا عينيتها لزعمهم (4) أن القول:
____________________
(1) المهذار: الرجل المبالغ في الهذر واللغو.
(2) مقتبس من قوله تعالى في سورة الجمعة. الآية 5.
(3) والقول بأن البقاء لا يحتاج في البقاء إلى بقاء زائد دون ذاته تعالى تحكم ودون إثباته خرطه القتاد (منه قده).
(4) وإنما نسب هذا إلى الزعم لأن مرادهم من قولهم إنه عالم لا علم له، أنه عالم لا علم له صفة موجودة فيكون بمنزلة قولنا أعمى لأعمى له صفة موجودة في الخارج وليس بمحال " منه قده ".