ضلالة هو فاعله باطل مضمحل، ولا دليل لهم عليه، وأما نحن فدليلنا اللغة والمعنى (1) والعقل والسمع، أما اللغة فلم يرد لفظ أضل بمعنى خلق
الضلال، ولا لفظة هدى بمعنى خلق الاهتداء، مع أن من حمل غيره على سلوك طريق جبرا لا يقال هداه إليها، وكذلك من صرف غيره من طريق جبرا لا يقال: أضله عنها، (2) وأما المعنى فهو أنه لا خلاف بيننا وبين الناصبة أن التكليف لا يصح إلا مع البيان، والاضلال والاغواء هو التلبيس، فلا يصح أن تجامع التكليف، وأيضا فلو كان الله أضلهم عن الهدى لما أمكن الاحتجاج عليهم بالكتب والرسل. ولكان لا معنى للترغيب والترهيب والوعد والوعيد والتوبيخ في نحو قوله تعالى: فما لهم عن التذكرة معرضين (3) وما
منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى (4) ونحو ذلك، وأيضا فالاضلال والاغواء الوارد على سبيل التلبيس إنما يصدر ممن يعجز عن المنع، والقهر كالشيطان وهو ظاهر، وأما العقل فهو ما ثبت من أن الله تعالى عدل حكيم لا يكلف العباد ما لا يطيقون، ولا يؤاخذهم بما لا يذنبون، إذ ذلك يؤدي إلى إبطال الكتب والرسل والتكليف، ويرفع فائدة الأمر
والنهي ونحو ذلك، وأيضا فكيف ينهى عن
الاضلال والاغواء ويفعله، والطارف (5) من العقلاء ينزه نفسه عن أن يفعل ما نهى عنه، ولهذا قال شعيب عليه السلام: وما أريد أن أخالفكم
____________________
(1) وقد اعترف فخر الدين الرازي بهذا في أوائل تفسيره لسورة البقرة منه " قده " (2) بل يقال منعه وصرفه وأنما يقال إنه أضل إذا لبس عليه وأورد من الشبهة ما يلبس عليه الطريق فلا يهتدي له. منه قدس سره.
(3) المدثر. الآية 49 (4) الاسراء. الآية 94 (5) الطارف: المال المستحدث ويقال لكل مستحدث جديد أنه طارف ومنه طارف العقل.