خلقناكم عبثا (1)، أي بغير شئ لا تؤمرون ولا تنهون ولا تثابون ولا تعاقبون، والعبث قبيح، فدل على أن قبح هذا مستقر في الفطر (2) والعقول، ولذلك أنكر عليهم إنكار منبه لهم على الرجوع إلى عقولهم، وأنهم لو فكروا وأبصروا لعلموا أنه لا يليق به ولا يحسن منه أن يخلق خلقه عبثا، لا لأمر ولا لنهي ولا لثواب ولا لعقاب، وهذا يدل على أن حسن الأمر
والنهي والجزاء مستقر في العقول والفطر، وأن من
جوز على الله
الاضلال به فقد نسبه إلى ما لا يليق به وتأباه أسماؤه الحسنى (3) وصفاته العليا، وكذلك قوله تعالى: أيحسب الإنسان أن يترك سدى (4) أي لا يؤمر ولا ينهى أو لا يثاب ولا يعاقب وهما متلازمان، فأنكر على من يحسب ذلك، فدل على أنه قبيح لا يليق به، ولهذا استدل على أنه لا يترك سدى بقوله: ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى (5) إلى آخر السورة، ولو كان قبحه إنما علم بالسمع لكان يستدل عليه: بأنه خلاف السمع و خلاف ما أعلمناه وأخبرنا به، ولم يكن إنكار تركه قبيحا في نفسه، بل لكونه خلاف ما أخبر به، ومعلوم أن هذا ليس وجه الكلام، وكذلك قوله تعالى:
وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك
ظن الذين كفروا (6) والباطل الذي ظنوه ليس هو الجمع بين النقيضين، بل الذي ظنوه أنه لا شرع ولا جزاء ولا أمر ولا
نهي ولا ثواب ولا عقاب، فأخبر أن خلقها لغير ذلك هو
الباطل ____________________
(1) المؤمنون. الآية 115.
(2) الفطر كعنب جمع الفطرة.
(3) اقتباس من قوله تعالى في سورة الإسراء. الآية 110.
(4) القيامة. الآية 36.
(5) القيامة. الآية 37.
(6) ص. الآية 27.