وأما ما ذكره في الفصل الخامس من تقرير مذهب أهل السنة بقوله: هل الأولى أن يقال: إن الله تعالى عالم بعلم أزلي قادر بقدرة أزلية " الخ " فالإمامية مشاركون معهم في ذلك، غاية الأمر أنهم يحكمون بأن تلك الصفات الأزلية عين ذاته، بمعنى أن الذات نائب عنها في صدور نتائجها وثمراتها منه، لا أنها مغايرة زائدة عليه قائمة به، كما قال به أهل السنة، ليلزم ما مر من إثبات قدماء سوى الله تعالى كما لزم النصارى في إثباتهم للأقانيم (1) الثلاثة، وأما الكلام النفسي فقد مر أنه غير معقول (2) فلا يعقله المشرك المستجير أيضا ويتحير وينسب بناء دينهم إلى التعمية والألغاز، وحاشا أن يتحير المؤمن والمشرك إن لم يشارك الأشاعرة في قلة الشعور فيما قاله الإمامية من أنه تعالى عالم بلا علم زائد، وقادر بلا قدرة زائدة، ومريد بلا إرادة زائدة، بل عالم بعلم هو عين الذات، قادر بقدرة هي عينه، مريد بإرادة كذلك، إلى غير ذلك، ولو فرض توقفه في الجملة فنوضحه له بالضوء والمضئ حتى يصير واضحا له كضوء النهار: وأما ما ذكره في الفصل السادس من تقرير مذهب أهل السنة بقوله: هل الأولى أن يقال: إنه تعالى مرئي يوم القيامة لعباده " الخ " فهو تكرار لما ذكره المصنف سابقا إثباتا ونفيا، فلا وجه لإعادته، ثم كيف يزداد
____________________
(1) قد مر تفصيل المراد بالأقانيم التي اتخذتها النصارى، فليراجع.
(2) إذ غاية ما تشبث به الناصب الأشعري في إثباته هي الألفاظ المتخيلة باصطلاحهم المزورة في النفس وقد دريت سابقا أنها ليست بخارجة عن العلم بقسميه وعن الإرادة والكراهة وسائر الكيفيات النفسانية، مع أن الأشاعرة قائلون بأن الكلام النفسي مغاير لهذه كلها والجواب الشافي الإحالة إلى الوجدان، وهو نعم الحكم المنصف الذي وهبه الله لعباده ليقضي بينهم بالعدل، وبئس حال من لم يلتفت إلى تلك الموهبة وعقل عقله بعقال الشبه السوفسطائية والتزم ما ليس بمعقول ولا متصور.
(2) إذ غاية ما تشبث به الناصب الأشعري في إثباته هي الألفاظ المتخيلة باصطلاحهم المزورة في النفس وقد دريت سابقا أنها ليست بخارجة عن العلم بقسميه وعن الإرادة والكراهة وسائر الكيفيات النفسانية، مع أن الأشاعرة قائلون بأن الكلام النفسي مغاير لهذه كلها والجواب الشافي الإحالة إلى الوجدان، وهو نعم الحكم المنصف الذي وهبه الله لعباده ليقضي بينهم بالعدل، وبئس حال من لم يلتفت إلى تلك الموهبة وعقل عقله بعقال الشبه السوفسطائية والتزم ما ليس بمعقول ولا متصور.