الملاذ المزجور عنها بالشرع نسب إلى العقل والأخذ بالحزم، لأن الأفعال القبيحة إذا كانت مستندة إليه جاز أن يعاقب المطيع لطاعته ولا تفيده طاعته إلا الخسران والتعب حيث جاز أن يعاقبه على امتثال أمره، ويحصل في الآخرة بالعذاب الأليم السرمد (1) والعقاب المؤبد، وجاز أن يثيب العاصي فيحصل بالربح في الدارين ويتخلص من المشقة في المنزلين، ومنها أنه تعالى كلف المحال لأن الآثار كلها مستندة إليه تعالى، ولا تأثير لقدرة العبد البتة فجميع الأفعال غير مقدورة للعبد وقد كلف ببعضها فيكون قد كلف ما لا يطاق، وجوزوا بهذه الاعتبار وباعتبار وقوع القبيح منه تعالى أن يكلف الله تعالى العبد أن يخلق مثله تعالى ومثل نفسه، وأن يعيد
الموتى في الدنيا كآدم ونوح وغيرهما، وأن يبلع جبل أبي قبيس دفعة، ويشرب ماء دجلة في جرعة، وأنه متى لم يفعل ذلك عذبه بأنواع
العذاب، فلينظر العاقل في نفسه هل
يجوز له أن ينسب ربه تبارك و تعالى وتقدس إلى مثل هذه التكاليف الممتنعة؟ وهل ينسب
ظالم منا إلى مثل هذا
الظلم؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومنها أنه يلزم منه عدم العلم بنبوة أحد من
الأنبياء عليهم السلام، لأن دليل النبوة هو أن الله فعل المعجزة عقيب الدعوى لأجل التصديق (2)، وكل من
صدقة الله تعالى هو صادق، فإذا صدر القبيح منه لم يتم الدليل، أما الصغرى فجاز أن يخلق المعجزة للاغواء والاضلال، وأما الكبرى فلجواز أن يصدق المبطل في دعواه. ومنها أن القبائح لو صدرت عنه لوجب الاستعاذة منه لأنه حينئذ أضر على البشر من إبليس لعنه الله، وكان واجبا على قولهم أن يقول المتعوذ: أعوذ بالشيطان الرجيم من الله تعالى، وهل يرضى عاقل لنفسه المصير
____________________
(1) قد مر المراد بالسرمد.
(2) والمراد من التصديق إسناد الصدق إليه فإن هيئة التفعيل قد يراد منه النسبة كالتفسيق والتكفير.