يأمرهم بما يأمرهم به وينهاهم عما ينهاهم عنه، ويحل لهم ما يحله، ويحرم عليهم ما يحرمه، وأي فائدة في هذا؟ وأي علم يبقى فيه لنبوته؟ وكلام الله تعالى يصان عن ذلك وأن يظن به مثله، وإنما المدح والثناء والعلم الدال على نبوته أن ما يأمر به تشهد العقول الصحيحة بحسنه وكونه معروفا، وما ينهى عنه تشهد بقبحه وكونه منكرا، وما يحله تشهد بكونه طيبا، وما يحرم تشهد بكونه خبيثا، وهذه دعوة الرسل، وهي بخلاف دعوة المبطلين والكاذبين والسحرة، فإنهم يدعون إلى ما يوافق أهواءهم وأغراضهم من كل قبيح ومنكر وبغي وظلم. ولهذا قيل لبعض الأعراب وقد أسلم، لما عرف دعوته صلى الله عليه وآله: عن أي شئ أسلمت وما رأيت منه مما دلك على أنه رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: ما أمر بشئ فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شئ فقال العقل: ليته أمر به، ولا أحل شيئا فقال العقل ليته حرمه، ولا حرم شيئا فقال العقل: ليته أباحه، فانظر إلى هذا الأعرابي (2) وصحة عقله وفطرته وقوة إيمانه واستدلاله على صحة دعوة النبي صلى الله عليه وآله بمطابقة أمره لكل ما هو حسن في العقل ومطابقة نهيه لما هو قبيح في العقل، وكذلك مطابقة تحليله
____________________
(1) اقتباس من قوله تعالى في سورة الأعراف. الآية 157 (2) الأعرابي: من سكن البادية كان من العرب أو غيره، وقد مر الفرق سابقا بين الأعرابي والعرب فليراجع.