الأفعال سواء في نفس الأمر، وبعدم اشتمالها على ما يصلح أن يكون منشئا للحسن أو القبح، لا بحسب الذات ولا بحسب شئ من الصفات الحقيقية أو الاعتبارية التي قال بها الإمامية والمعتزلة، وبعدم الفرق بين سجود الرحمان وسجود الشيطان ونحو ذلك قبل ورود الشرع، وبجواز عكس القضية في الحسن والقبح وقلب الأمر والنهي، فإن تكرار هذه الكلمات في كلام الفريقين على وجه الاطلاق إثباتا ونفيا يأبى عن إرادة التخصيص بوجه من الوجوه فتوجه، هذا.
وأما حديث جريان العادة فقد جرى عليه ما جرى وإن كان الناصب قد زعم أنه خرق العادة، وفلق البحر في إجرائه هيهنا، فتذكر قال المصنف رفع الله درجته السابع لو كان الحسن والقبح شرعيين لزم توقف وجوب الواجبات على مجيئ الشرع، ولو كان كذلك لزم إفحام الأنبياء، لأن النبي إذا ادعى الرسالة وأظهر المعجزة كان للمدعو أن يقول: إنما يجب على النظر في معجزتك بعد أن أعرف أنك صادق، وأنا لا أنظر حتى أعرف صدقك، ولا أعرف صدقك إلا بالنظر، وقبله لا يجب على امتثال الأمر فينقطع النبي ولا يبقى له جواب " إنتهى ".
قال الناصب خفضه الله أقول: جواب هذا قد مر في بحث النظر، وحاصله أنه لا يلزم الافحام، لأن المدعو ليس له أن يقول: إنما يجب على النظر في معجزتك بعد أن أعرف أنك صادق، بل النظر واجب عليه بحسب نفس الأمر، ووجوب النظر لا يتوقف على معرفته له، للزوم الدور كما سبق، فلا يلزم الافحام " إنتهى ".