أن المراد أنه لا يأمر بما تستفحشه العقول كما يقتضيه رأي الإمامية ومن تابعهم، ثم قال تعالى: قل أمر ربي بالقسط، والقسط عند
الأشاعرة يلزم أن يكون هو المأمور به لا ما هو قسط في نفسه، فحقيقة الكلام قل أمر ربي بما أمر به، ثم قال: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من
الرزق (1)، دل على أنه طيب قبل التحريم، وأن وصف الطيب فيه مانع من تحريمه، فتحريمه مناف للحكمة، ثم قال: إنما حرم ربي الفواحش (2) ولو كان كونها فواحش إنما هو لتعلق التحريم بها، وليست فواحش قبل ذلك، لكان حاصل الكلام قل: إنما حرم ربي ما حرم، وكذلك تحريم البغي والإثم، فكون ذلك فاحشة وإثما وبغيا بمنزلة كون الشرك شركا، فهو مشرك في نفسه قبل
النهي وبعده، فمن قال: إن الفاحشة والقبائح والإثم إنما صارت كذلك بعد
النهي، فهو بمنزلة قائل يقول: الشرك إنما صار شركا بعد
النهي، وليس شركا قبل ذلك، ومعلوم أن هذا مكابرة (3) صريحة للعقل والفطرة، فالظلم ظلم في نفسه قبل
النهي وبعده، والقبيح قبيح في نفسه قبل
النهي وبعده، وكذلك الفاحشة والشرك، لا أن هذه الحقائق صارت بالشرع كذلك، نعم الشارع كساها بنهيه عنها قبحا إلى قبحها، فكان قبحها من ذاتها (4)، وازدادت قبحا عند
____________________
(1) الأعراف. الآية 32.
(2) الأعراف. الآية 32.
(3) اصطلح أهل المناظرة في علم آداب البحث عن التعبير بالدعوى المجردة عن الدليل بالمكابرة إن اقترنت بتعنت واستكبار، والتحكم إن لم تقترن بذلك.
(4) المراد بالذات ما أسلفناه سابقا في بيان ملاكات الأحكام لا الذات التي يراد بها نفس الفعل والحركات والسكنات الخالية عن كل عنوان ووصف المعراة عن كل اعتبار.