الذي تنزه عنه، وذلك هو الحق الذي خلقت به وهو التوحيد وحقه وجزاؤه وجزاء من جحده وأشرك به، وقال تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أم نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (1) فأنكر سبحانه هذا الحسبان إنكار منبه للعقل على حكمه وأنه حكم سيئ، فالحاكم به مسيئ
ظالم، ولو كان إنما قبح [ولو كان الحسبان خ ل] لكونه خلاف ما أخبر به، لم يكن الانكار لما اشتمل عليه من القبح اللازم من التسوية بين المحسن والمسيئ المستقر قبحه في عقول العالمين كلهم، ولا كان هناك حكم سيئ في نفسه ينكر على من حكم به، وكذلك قوله تعالى: أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار (2) وهذا استفهام وإنكار، فدل على أن هذا قبيح في نفسه منكر تنكره العقول والفطر، أفتظنون أن ذلك يليق بنا أو يحسن منا فعله، فأنكره سبحانه إنكار منبه للعقل والفطرة على قبحه، وأنه لا يليق بالله نسبته إليه، وكذلك إنكاره سبحانه قبح الشرك به في الإلهية وعبادة غيره معه بما
ضربه لهم من الأمثال، وأقام على بطلانه من الأدلة العقلية، ولو كان إنما قبح بالشرع لم يكن لتلك الأدلة والأمثال معنى، وعند نفاة التحسين والتقبيح
يجوز في العقل أن يأمر بالاشراك به وعبادة غيره، وإنما علم قبحه بمجرد النهي عنه، فيا عجبا أي فائدة تبقى في تلك الأمثال والحجج والبراهين الدالة على قبحه في صريح العقول؟! وأنه أقبح القبيح وأظلم
الظلم! وأي شئ يصح في العقل إذا لم يكن فيه علم بقبح الشرك الذاتي، وأن العلم بقبحه بديهي، فذلك معلوم بضرورة العقل، وبأن الرسل نبهوا الأمم على ما في عقولهم وفطرهم
____________________
(1) الجاثية. الآية 21.
(2) ص. الآية 28.