إلا الله لا يستلزم إسناد القبائح إليه، لأن فعل القبائح من مباشرة العبد فهو غير مستند إلى الخالق ثم من خلق القبائح فلا بد أن يكذب، ولا
يجوز أن يكون صادقا، هذا غاية
الجهل والعناد والخروج عن قاعدة البحث بحيث لو نسب هذا الكلام إلى العوام استنكفوا منه، وأما ثاني الاستدلالين على عدم التمشي فهو أيضا باطل صريح، فإن من قال امتنع
الكذب عليه للزوم النقص فهذا
الكذب يتعلق بالدال على المعنى النفساني وهو أيضا نقص، فكيف لا يتمشى؟ " إنتهى " أقول: ما أخذ في دليل
الأشاعرة من أن النقص على الله تعالى محال إنما استدل عليه بالاجماع كما صرحوا به، ولا برهان عليه من العقل، حتى قال فخر الدين الرازي: إن القول بالنقص والكمال خطابي (1)، وبالجملة الدليل المستند إلى الاجماع لا يفيد اليقين إلا إذا كان الاجماع مقطوعا به، وهو فيما نحن فيه ممنوع، على أن الاجماع المقطوع به لا يلزم أن يفيد المتن على رأيهم، وأيضا الاجماع إنما يكون
حجة عندهم لاستناده إلى النص، ودلالة النص موقوفة على
صدق كلام الله تعالى، وإثبات
صدق كلامه بما يستند إلى النص يستلزم الدور وما قال صاحب المواقف: من أن
صدق النبي صلى الله عليه وسلم لا
يتوقف على
صدق كلامه تعالى، بل على تصديق المعجزة، وهو تصديق فعلي منه تعالى لا قولي على ما بين في محله، منظور فيه، لأن المعجزة إنما تدل على
صدق النبي صلى الله عليه وآله في دعوى النبوة وكونه
رسول الله صلى الله عليه وآله، وأما صدقه في سائر الأحكام، فالظاهر من كلامه أنه لاستدعاء الرسالة أن يكون أحكامه من عند الله، فيتوقف على
صدق كلامه تعالى هذا. وأما ما نقله الناصب من كلام صاحب المواقف، ثم أورد عليه بقوله:
____________________
(1) القول الخطابي هو المؤلف من المظنونات ونحوها.