وتحريمه، ولو كانت جهة
الحسن والقبح والطيب والخبث مجرد تعلق الأمر
والنهي والإباحة والتحريم لم يحسن منه هذا الجواب، ولكان بمنزلة أن يقول: وجدته يأمر وينهى ويبيح ويحرم، وأي دليل في هذا، وكذلك قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي (1) وهؤلاء يزعمون أن
الظلم في حق عباده هو المحرم المنهى عنه، لا أن في نفس الأمر ظلما نهى عنه، وكذلك
الظلم الذي نزه الله تعالى نفسه عنه هو الممتنع المستحيل عندهم، لا أن هناك أمرا ممكنا مقدورا لو فعله لكان ظلما، فليس عندهم ظلم منهى عنه ولا منزه عنه (2) إنما هو المحرم في حقهم (3) والمستحيل في حقه تعالى، فالظلم المنزه عنه عندهم منحصر في المحالات العقلية كالجمع بين النقيضين، وجعل الجسم الواحد في مكانين في آن واحد ونحو ذلك،
والقرآن صريح في إبطال هذا المذهب أيضا. قال تعالى: قال قرينه: ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبد القول لدي وما أنا بظلام للعبيد (4)، أي لا أؤاخذ عبدا بغير ذنب ولا أمنعه من أجر ما عمله من صالح، ولهذا قال قبله: وقد قدمت إليكم بالوعيد المتضمن لإقامة الحجة وبلوغ الأمر
والنهي، فإذا آخذتكم بعد التقدم فلست بظالم، بخلاف ما يؤاخذ العبد قبل التقدم إليه بأمره ونهيه، فذلك
الظلم الذي تنزه عنه سبحانه، وقال تعالى:
ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا
يخاف ظلما ولا هضما (5)،
____________________
(1) النحل. الآية 90.
(2) والظاهر سقوط لفظة " بل " قبل كلمة إنما هو المحرم.
(3) أي حق العباد.
(4) ق. الآية 28.
(5) طه. الآية 112.