شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ١ - الصفحة ٣٩٦
في قوله تعالى: لاحتنكن ذريته إلا قليلا (1)، وقوله: لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين (2)، وقوله: ولقد أضل منكم جبلا كثيرا (3) وأمثال ذلك، وكذا الكلام في تخلية سائر العباد بينهم وبين أفعالهم، وبالجملة إنما يلزم مشاركة غيره تعالى معه في الفاعلية أو عجزه ومغلوبيته عنهم كما قد يتوهم لو لم يقدر الله سبحانه على سلب القدرة والاختيار عنهم بقدرته ومشيته القاهرة، أما لو قلنا: بأنه تعالى قادر على ذلك، وأنه لم تكن كراهته تعالى لإيجاد العباد تلك الأفعال على سبيل الجبر بل كان بسبب نهيه إياهم من إيقاعها على سبيل الاختيار فلا يلزم المشاركة ولا المغلوبية، وقد قال تعالى:
ولو شاء الله لهديكم أجمعين (4)، ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها (5)، أي على سبيل الجبر والقهر، ولكن ذلك ينافي التكليف المنوط بالاختيار، والملخص أن المشاركة أو العجز والمغلوبية إنما يلزم إذا تخلف مراده تعالى عن المشية القطعية التي يسميها أهل العدل مشية قسر وإلجاء (6)، وهم لا يقولون بالتخلف عنها. وأما المشية التفويضية فلا عجز في التخلف عنها، مثل أن تقول لعبدك:
أريد منك كذا ولا أجبرك، وإرادة طاعة العاصي من قبيل الثاني عندهم فلا إشكال، وأيضا المجوس قالوا بأصلين: أحدهما فاعل الخير وهو، يزدان، المعبر عنه
____________________
(1) الاسراء. الآية 62.
(2) ص. الآية 82.
(3) يس. الآية 62.
(4) الأنعام. الآية 149.
(5) السجدة. الآية 13.
(6) اصطلح المتكلمون من أصحابنا على تسمية هذا النوع من الإرادة بمشية القسر والحزم والبت والالجاء وتبعوا في ذلك التعابير الواردة في أخبار ساداتنا الأئمة الميامين، وقد أورد بعضها ثقة الاسلام الكليني في أصول الكافي فليراجع.
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 393 394 395 396 397 398 399 401 402 ... » »»
الفهرست