طنبور طامات شيخه الأشعري لا كسرا لما سماه طاماتا من كلام غيره وأما الحادي عشر، فلأن ما سنح له بعد التأمل في مسألة الرؤية من جعل النزاع لفظيا وظن أنه لم يسبقه أحد من علماء السلف، ففيه أنه من بعض
الظن، (1) لأن إمامه فخر الدين الرازي وشيخه الفاضل التفتازاني (2) قد سبقاه في ذلك، لكنه رجوع صريح وهرب فضيح من غير عذر يفي بإصلاح قباحته، ويدفع لوث لوم الفرار عن ساحته، فإن جعل النزاع المشهور الممتد بين الجمهور على مر الدهور لفظيا بأمثال التكلفات التي ارتكبوها كما ترى، مع أن بعده عن التوفيق في التوفيق المذكور ظاهر، لظهور أن ما فرعه على ما نسجه بقوله: فعلى هذا تكون الرؤية علما خاصا وانكشافا تاما غير متفرع على ما نقله عن الإمامية في معنى الحديث المشهور كيف؟ وقد نقلنا سابقا عن المصنف في كتاب نهج المسترشدين: أنهم جعلوا الاحساس بأقسامه مقابلا للعلم والاعتقاد، وبهذا ظهر
كذب ما ذكره بعيد ذلك من اتفاق الفريقين: على أن رؤية الله تعالى هي العلم التام والانكشاف الكامل، واتضح أن ما تكلفه من التوفيق بين الفريقين
صلح من غير تراضي الخصمين، فالأولى به أن يتركه في مخلات (3) حماقاته، أو يخص نفعه بأعقابه وأهل موالاته، وما أشبه تكلفه هذا بما يحكى: أنه قد سمع بعض الأكارين (4) والبقارين (5) أن العنبر
____________________
(1) إيماء إلى قوله تعالى: إن بعض الظن إثم في سورة الحجرات. الآية 12.
(2) هو العلامة المحقق سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، توفي سنة 793 أو 792، وله تآليف نفيسة أشهرها المطول في شرح تلخيص المفتاح، وكتاب المقاصد في الكلام وغيرهما.
(3) المخلات: ما يجعل فيه النبات ويعلق في عنق الدابة.
(4) الأكارين. جمع الأكار وهو حارث الأرض.
(5) البقارين. رعاة البقر وأربابها.