في الفيض وذلك ينافي ما قررتموه؟ ثم أجاب بأنا لا نمنع الغرض مطلقا وإنما منعنا الغرض المستلزم للاستكمال أو لإظهار الكمال، ولم نمنع الغاية اللازمة في أفعال الكامل لأن فعل الكامل يجب أن يكون كاملا في حد ذاته، لاستحالة أن يصدر عن الكامل ما ليس بكمال، بل أفعاله كلها كمالات مستلزمة لحكم وأغراض وغايات تعجز العقول عن تفصيلها، وإذا تحقق ذلك لم يلزم التناقض بين ما قررناه آنفا وبين ما أثبتناه هيهنا من أن الغاية من الإفاضة المذكورة، والمقصود الحقيقي منها هو النشأة المحمدية من حيث إن اتساق الوجود على ترتيبه مؤديا إلى الختم بالوجود الكامل الظاهر فيه خصائص تلك الوجودات، فصح أن يقال: إنها كلها موجودة مقصودة بالعرض، لأنها كالشروط والأسباب المعدة لهذه النشأة الخاتمة، فلا جرم صح أن يقال: إنها الغاية والمقصود، وهذا دقيق لا يفهمه إلا أهل اللباب، لا من قنع بالقشور، انتهى كلامه. وأما قول الناصب وإن أراد تخليد عباده في النار فهو المطاع " الخ "، ففيه أنه يقتضي نفي الحكمة والمصلحة عن أفعاله تعالى أيضا (1) ويعلم منه أن ما يذكره المتأخرون من
الأشاعرة في بعض المراتب من أنا ننفي الغرض والغاية دون الحكمة والمصلحة، كلام لا أصل له عندهم، وإنما ذكروه عند ضيق الخناق والاستحياء عن الافتضاح عند العقلاء " إنتهى ".
____________________
(1) قال المصنف في نهاية الوصول: إن النصوص دالة على أنه تعالى شرع الأحكام لمصالح العباد ثم إن الإمامية والمعتزلة صرحوا بذلك وكشفوا الغطاء حتى قالوا: إنه تعالى يقبح منه فعل القبيح والعبث بل يجب أن يكون فعله مشتملا على مصلحة وغرض، وأما الفقهاء فقد صرحوا بأنه تعالى إنما شرع هذا الحكم لهذا المعنى ولأجل هذه الحكمة ثم يكفرون من قال بالغرض مع أن معنى الكلام الغرض لا غير ويقولون: إنه وإن كان لا تجب عليه رعاية المصالح إلا أنه تعالى لا يفعل إلا ما يكون مصلحة لعباده تفضلا منه و إحسانا " إنتهى منه قدس سره ".