____________________
(1) وقال بعض فضلاء الحنابلة: إن الشبهة التي أوردوها في التشكيك في الحسيات والبديهيات وإن عجز كثير من الناس عن حلها، فهم يعلمون أنها قدح فيما علموه بالحس والاضطرار، فمن قدر على حلها وإلا فلم يتوقف جزمه بما علمه بحسه واضطراره على حلها " إنتهى ".
وقال في موضع آخر: إن الأمور الحسية والعقلية اليقينية قد وقعت فيها شبهات كثيرة، تعارض ما علم بالحس والعقل، فلو توقف علمنا بذلك على الجواب عنها وحلها، لم يثبت لنا ولا لأحد علم شئ من الأشياء، ولا نهاية لما تقذف به النفوس من الشبه الخيالية وهي من جنس الوساوس والخطرات والخيالات التي لا تزال تحدث في النفوس شيئا فشيئا بل إذا جزمنا بثبوت الشئ جزمنا ببطلان ما يناقض ثبوته، ولم يكن ثبوت ما يقدر من الشبه الخيالية على نقيضه مانعا من جزمنا به، ولو كانت الشبه ما كانت فما من موجود وصل بدرك الحس إلا ويمكن لكثير من الناس أن يقيم على عدمه شبها كثيرة يعجز السامع عن حلها، وقد رأينا وسمعنا ما أقامه كثير من المتكلمين من الشبه على أن الإنسان تتبدل نفسه الناطقة في الساعة الواحدة أكثر من ألف مرة، وكل لحظة تذهب روحه وتفارق وتحدث له روح أخرى غيرها هكذا أبدا، وما أقاموه من الشبه على أن السماوات والجبال والبحار تتبدل كل لحظة ويخلف غيرها، وما أقاموه من الشبه على أن روح الإنسان ليست فيه ولا خارجة عنه، وزعموا أن هذا أصح المذاهب في الروح وما أقاموا من الشبه على أن الإنسان إذا انتقل من مكان إلى مكان لم يمر على تلك الأجزاء التي من مبدء حركته ونهايتها ولا قطعها ولا حاذاها، وهي مسألة طفرة النظام وأضعاف أضعاف ذلك، وهيهنا طائفة من الملاحدة الاتحادية كلهم يقولون: إن ذات الخالق هي عين ذات المخلوق ولا فرق بينهما البتة، وإن الاثنين واحد، وإنما الحس والوهم يغلط في التعدد ويقيمون على ذلك شبها كثيرة، وقد نظمها ابن الفارض في قصيدته وذكرها صاحب الفتوحات في فصوصه (خ ل فتوحه) وغيرها، وهذه الشبه كلها من واد واحد، وهي خزانة الوساوس، ولو لم نجزم بما علمناه إلا بعد العلم برد تلك الشبهات لم يثبت لنا علم أبدا " إنتهى " وقال صاحب المواقف: قلنا كون الاجماع حجة قطعية معلوم بالضرورة من الدين، فيكون التشكيك فيه بالاستدلال في مقابلة الضرورة سفسطة لا يلتفت إليها " إنتهى " وقال في شرحه لأصول ابن الحاجب: المقام الثاني النظر في ثبوته عنهم وهو العلم باتفاقهم، وقد زعم منكروا الاجماع أنه على تقدير ثبوته في نفسه فثبوته عنهم محال قالوا في بيانه: إن العادة قاضية بأنه لا يتفق أن يثبت عن كل واحد من علماء الشرق والغرب إنه حكم في المسألة الفلانية بالحكم الفلاني، ومن أنصف من نفسه جزم بأنهم لا يعرفون بأنفسهم فضلا عن تفاصيل أحكامهم، هذا مع جواز خفاء بعضهم عمدا لئلا يلزمه الموافقة والمخالفة أو انقطاعه لطول غيبته، فلا يعلم له خبر لأسره في مطمورة أو خمولة، فلا يعرف له أثر، أو كذبة في قوله رأيي في هذه المسألة هكذا، والعبرة بالرأي دون اللفظ، وإن صدق فيما قال لكن لا يمكن السماع منهم في آن واحد بل في زمان متطاول، فربما يتغير اجتهاد بعض فيرجع عن ذلك الرأي قبل قول الآخر، فلا يجتمعون على قول في عصر.
المقام الثالث النظر في نقل الاجماع إلى من يحتج به، وقد زعم المنكرون أنه مستحيل عادة لأن الآحاد لا تفيد إذ لا يجب العمل به في الاجماع كما سيأتي، فتعين التواتر، ولا يتصور إذ يجب فيه استواء الطرفين والواسطة، ومن البعيد جدا أن تشاهد أهل التواتر جميع المجتهدين شرقا وغربا ويسمعوا منهم وينقلوا عنهم إلى أهل التواتر، هكذا طبقة بعد طبقة إلى أن يتصل بنا. والجواب عن شبهة المقامين واحد وهو أن ذلك تشكيك في مصادفة الضرورة، فإنا نعلم قطعا من الصحابة والتابعين الاجماع على تقديم الدليل القاطع على المظنون، وما ذلك إلا بثبوته عنهم وبنقله إلينا، فانتقض الدليلان " إنتهى ". ولا يخفى على المنصف المتأمل أن دعوى الضرورة في مقامي الاجماع أخفى بمراتب من دعوى الضرورة فيما نحن فيه، كما أن الشبهة الموردة فيهما أقوى وأظهر من الشبهة الموردة فيما نحن فيه فلا تكون تلك الشبهة الفاجرة إلا محض العناد والمكابرة. منه " قده ".
وقال في موضع آخر: إن الأمور الحسية والعقلية اليقينية قد وقعت فيها شبهات كثيرة، تعارض ما علم بالحس والعقل، فلو توقف علمنا بذلك على الجواب عنها وحلها، لم يثبت لنا ولا لأحد علم شئ من الأشياء، ولا نهاية لما تقذف به النفوس من الشبه الخيالية وهي من جنس الوساوس والخطرات والخيالات التي لا تزال تحدث في النفوس شيئا فشيئا بل إذا جزمنا بثبوت الشئ جزمنا ببطلان ما يناقض ثبوته، ولم يكن ثبوت ما يقدر من الشبه الخيالية على نقيضه مانعا من جزمنا به، ولو كانت الشبه ما كانت فما من موجود وصل بدرك الحس إلا ويمكن لكثير من الناس أن يقيم على عدمه شبها كثيرة يعجز السامع عن حلها، وقد رأينا وسمعنا ما أقامه كثير من المتكلمين من الشبه على أن الإنسان تتبدل نفسه الناطقة في الساعة الواحدة أكثر من ألف مرة، وكل لحظة تذهب روحه وتفارق وتحدث له روح أخرى غيرها هكذا أبدا، وما أقاموه من الشبه على أن السماوات والجبال والبحار تتبدل كل لحظة ويخلف غيرها، وما أقاموه من الشبه على أن روح الإنسان ليست فيه ولا خارجة عنه، وزعموا أن هذا أصح المذاهب في الروح وما أقاموا من الشبه على أن الإنسان إذا انتقل من مكان إلى مكان لم يمر على تلك الأجزاء التي من مبدء حركته ونهايتها ولا قطعها ولا حاذاها، وهي مسألة طفرة النظام وأضعاف أضعاف ذلك، وهيهنا طائفة من الملاحدة الاتحادية كلهم يقولون: إن ذات الخالق هي عين ذات المخلوق ولا فرق بينهما البتة، وإن الاثنين واحد، وإنما الحس والوهم يغلط في التعدد ويقيمون على ذلك شبها كثيرة، وقد نظمها ابن الفارض في قصيدته وذكرها صاحب الفتوحات في فصوصه (خ ل فتوحه) وغيرها، وهذه الشبه كلها من واد واحد، وهي خزانة الوساوس، ولو لم نجزم بما علمناه إلا بعد العلم برد تلك الشبهات لم يثبت لنا علم أبدا " إنتهى " وقال صاحب المواقف: قلنا كون الاجماع حجة قطعية معلوم بالضرورة من الدين، فيكون التشكيك فيه بالاستدلال في مقابلة الضرورة سفسطة لا يلتفت إليها " إنتهى " وقال في شرحه لأصول ابن الحاجب: المقام الثاني النظر في ثبوته عنهم وهو العلم باتفاقهم، وقد زعم منكروا الاجماع أنه على تقدير ثبوته في نفسه فثبوته عنهم محال قالوا في بيانه: إن العادة قاضية بأنه لا يتفق أن يثبت عن كل واحد من علماء الشرق والغرب إنه حكم في المسألة الفلانية بالحكم الفلاني، ومن أنصف من نفسه جزم بأنهم لا يعرفون بأنفسهم فضلا عن تفاصيل أحكامهم، هذا مع جواز خفاء بعضهم عمدا لئلا يلزمه الموافقة والمخالفة أو انقطاعه لطول غيبته، فلا يعلم له خبر لأسره في مطمورة أو خمولة، فلا يعرف له أثر، أو كذبة في قوله رأيي في هذه المسألة هكذا، والعبرة بالرأي دون اللفظ، وإن صدق فيما قال لكن لا يمكن السماع منهم في آن واحد بل في زمان متطاول، فربما يتغير اجتهاد بعض فيرجع عن ذلك الرأي قبل قول الآخر، فلا يجتمعون على قول في عصر.
المقام الثالث النظر في نقل الاجماع إلى من يحتج به، وقد زعم المنكرون أنه مستحيل عادة لأن الآحاد لا تفيد إذ لا يجب العمل به في الاجماع كما سيأتي، فتعين التواتر، ولا يتصور إذ يجب فيه استواء الطرفين والواسطة، ومن البعيد جدا أن تشاهد أهل التواتر جميع المجتهدين شرقا وغربا ويسمعوا منهم وينقلوا عنهم إلى أهل التواتر، هكذا طبقة بعد طبقة إلى أن يتصل بنا. والجواب عن شبهة المقامين واحد وهو أن ذلك تشكيك في مصادفة الضرورة، فإنا نعلم قطعا من الصحابة والتابعين الاجماع على تقديم الدليل القاطع على المظنون، وما ذلك إلا بثبوته عنهم وبنقله إلينا، فانتقض الدليلان " إنتهى ". ولا يخفى على المنصف المتأمل أن دعوى الضرورة في مقامي الاجماع أخفى بمراتب من دعوى الضرورة فيما نحن فيه، كما أن الشبهة الموردة فيهما أقوى وأظهر من الشبهة الموردة فيما نحن فيه فلا تكون تلك الشبهة الفاجرة إلا محض العناد والمكابرة. منه " قده ".