بالذات، ولهذا كان موجودا بوجود هو عينه، فالقدم لما كان قائما بالقديم لم يجز أن يتصف بقدم هو عينه، وأيضا مدفوع بما سبق من أن كلام المصنف إلزامي (1) لهم حيث استحالوا عينية الصفات معللا بأنه مثل أن يقال: عالم لا علم له، قادر لا قدرة له، أسود لا سواد له، وهذا التعليل والتمثيل جار فيما نحن فيه، فلا يمكنهم أن يقال في مقابل كلام المصنف وإلزامه إياهم بما ذكر إن قدم القدم عينه كما لا يخفى وثالثا أن ما ذكره ثانيا من أن وجود فرد من أفراد الطبيعة لا يستلزم وجود جميعها، مردود بما حقق في الكتابين أيضا من أن نوع الصفة إذا كانت من الموجودات الخارجية لا
يجوز أن يكون فرد منها عارضا لشيئ وصفة له ولم تكن تلك الصفة موجودة، فقدم القدم لما كان نوعه موجودا كان عند عروضه للقدم موجودا وبعبارة أخرى لا
يجوز أن يكون بعض أفراد الحقيقة النوعية الموجودة وجودية موجودة في الخارج، وبعضها اعتبارية ممتنع الوجود فيه (2) فالبياض مثلا لما كان شأنه الوجود في الخارج لم يجز أن يتصف به الشئ اتصافا تترتب عليه الآثار إلا بأن يوجد في موصوفه بالوجود الخارجي، وإلا لزم أن
يجوز كون الجسم أبيض بالبياض المعدوم ويتحرك بالحركة المعدومة، وهذا سفسطة ظاهر
البطلان صرح بذلك الشارح الجديد للتجريد وتلقاه بعض أجلة المتأخرين (3) بالقبول وهو حق لا ريب فيه رغما لأنف الناصب
الجاهل السفيه. والحاصل أن بديهة العقل حاكمة بأنه إذا كانت الصفة معدومة لا يمكن اتصاف الموجود بها اتصافا يترتب عليه
____________________
(1) قد مر المراد من الدليل الالزامي.
(2) إذ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز سواء، وأفراد النوع الواحد متماثلة بعضها مع بعض فإن التماثل ليس إلا الاشتراك في الحقيقة النوعية والامتياز بالمشخصات.
(3) المراد به المولى الجليل جلال الدين محمد الدواني. منه " قده " وقد تقدمت منا ترجم حاله فليراجع.