ربكم علما يقينيا ضروريا كما تعلمون القمر علما كذلك، والتشبيه المدلول عليه بقوله كما ترون القمر لا يقتضي مساواة طرفيه من كل وجه كما لا يخفى، ويؤيد إرادة ما ذكرناه: ما روي (1) في المشهور عن مولانا
أمير المؤمنين عليه السلام وقد سئل عنه هل ترى ربك؟ فقال لا أعبد ربا لم أره قيل له كيف تراه قال لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان، لا يقال لو كان معنى الرؤية في الحديث ذلك لتعدى إلى مفعولين، لأنا نقول: العلم قد يكون يقينيا وحينئذ لا يتعدى إلى المفعولين، ولو سلم فلم لا
يجوز أن يكون له مفعول ثان قد حذف؟ لدلالة سوق الكلام عليه، كما في قولة تعالى: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا (2) لهم، على قراءة من قرأ بالياء وأما ثالثا فلأن ما ذكره: من أن الادراك في لغة العرب هو الإحاطة، فلعله أخذ ذلك من كلام الشارح الجديد للتجريد عند ذكر جواب
الأشاعرة عن استدلال أهل التنزيه بالآية المذكورة فإنهم على ما ذكره أجابوا: بأنا لا نسلم أن الادراك بالبصر هو الرؤية أو لازم لها، بل هو رؤية مخصوصة (3) وهو أن يكون على وجه الإحاطة بجوانب المرئي، و (إذ خ ل) حقيقته النيل والوصول مأخوذا من أدركت فلانا إذا لحقته، ولهذا يصح رأيت القمر وما أدركه بصري، لإحاطة الغيم به، ولا يصح أدركه بصري وما رأيته " إنتهى " وفساده ظاهر، لأن تخصيص معنى الرؤية بذلك مما لا يوجد في كتب اللغة المعروفة، فيكون القول به على سبيل التشهي والعناد، ولأن كون حقيقة الادراك النيل
____________________
(1) رواه في الكافي كتاب التوحيد باب إبطال الرؤية (ج 1 ص 98 الطبع الجديد بطهران) عن أبي الحسن الموصلي عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) آل عمران. الآية 180.
(3) قال في الصحاح: أدركته ببصري أي رأيته وقال في القاموس: الدرك محركة اللحاق وأدركه لحقه. منه قدس سره.