محنة وهذا لا
يضره فراره منها إلى القدر الذي يرفعها عنه ويكشفها، وليس في ذلك منازعة للربوبية، وإن كان فيه منازعة للقدر بالقدر، فهذا تارة يكون واجبا، وتارة يكون مستحبا، وتارة يكون مباحا مستوي الطرفين، وتارة يكون حراما، وتارة يكون مكروها، وأما القدر الذي لا يحبه ولا يرضاه مثل قدر المعايب والذنوب فالعبد مأمور بسخطه، ومنهي عن الرضا به فتأمل. تكميل جميل إن قال قائل: ما معنى قولكم في
القضاء والقدر؟ وهل أفعال العباد عندكم بقضاء الله تعالى وقدره، كما يقتضيه ما اشتهر بين أهل الملل أن الحوادث بقضاء الله أم لا؟ ومعنى الخبر المروي عن
رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال حاكيا عن ربه: من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتخذر باسوائي (1) وما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه أوجب الايمان بالقدر خيره وشره (2) وأخبر أن الايمان لا يتم إلا به. قلنا: الواجب في هذا المسألة أولا أن نذكر معاني
القضاء والقدر ثم نبين ما يصح أن يتعلق بأفعال العباد من ذلك وما لا يتعلق ونجيب نم الروايات الواردة في ذلك بما يلائم الحق أما القضاء فإنه قد جاء بمعنى الاعلام كقوله تعالى: وقضينا إليه ذلك الأمر (3) أي أعلمناه وجاء بمعنى الحكم والالزام كقوله تعالى: وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه (4) أي حكم بذلك في التكليف على خلقه، وألزمهم به، وجاء بمعنى الخلق كقوله تعالى: فقضيهن سبع سماوات (5) أي خلقهن، وأما القدر فإنه قد جاء
____________________
(1) رواه في الاتحافات السنية ص 3 وفي كنز العمال (ج 1 ص 93 ط حيدر آباد دكن) حديث 483 و486 وفي الجامع الصغير (ج 2 ص 558) حديث 9027 و في الجواهر السنية لصاحب الوسائل ص 66.
(2) قد سبق ما يدل على هذا من كتب الفريقين قريبا وسيأتي في باب أفعال العباد و (3) الحج. الآية 66.
(4) الاسراء. الآية 23.
(5) فصلت. الآية 12.