(الطباع خ ل) والخواص، فلو نفوا ذلك وأبطلوه وأحالوا على محض المشية وصرف الإرادة المجردة عن الأسباب والعلل وجعلوا حقيقة النار مساوية لحقيقة الماء، وحقيقة
الدواء مساوية لحقيقة الغذاء ليس في أحدهما خاصية ولا قوة يتميز بها عن الآخر، لفسد علم
الطب وبطلت حكم الله تعالى، بل العالم مربوط (1) بالأسباب والقوى والعلل الفاعلة والغائية، وعلى هذا قام الوجود بتقدير
العزيز العليم (2) والكل مربوط بقضائه وقدره ومشيته وإقداره وتمكينه. واعتذر بعض
الأشاعرة عن نفيهم لذلك بأن القول بقطع النظر عن تأثير الأسباب في مسبباتها وجعل ذلك تأثير الله تعالى
زهد وإخلاص، بأن لا يجعل مع الله تعالى في العالم خالق آخر، ولا يخفى أن هذا اعتذار فاسد واعتقاد ردي، وإنما الاخلاص والفوز والفلاح في الصدق والحق لا في
الكذب والافتراء بما يعلم أنه ليس كذلك مع تضمنه لكثير من الفاسد كالجبر والظلم وخلو
بعثة الأنبياء عن الفائدة ومخالفته للعقل، بما ورد في الكتب المنزلة وأخبار الأنبياء، من ذكر الأسباب وإسناد المسببات إليها، ومع ما في القول بخلق الأسباب وتفويض المسببات إليها من الدلالة على قدرة الفاعل لذلك، و إتقانه لأفعاله وبيان إحكامها وعجيب صنعها، فإنه يكون في كل واحد منها دلالة
____________________
(1) فإن قيل: هذا ينافي ما ورد من أقوال المتكلمين: إن جميع الأشياء كلها واقعة بقدرة الله تعالى ولا مؤثر في الوجود إلا الله، قلنا: إن هذا مما لم يقل به إلا القائلون بالجبر، ولو سلم فلا ينافي طريقتنا، لأن قولهم: إن الأشياء واقعة بقدرة الله تعالى، وإنه لا مؤثر إلا الله لا يقتضي نفي الأسباب لظهور أنه لو لم يكن الله تعالى موجودا لم يكون لشئ من الممكنات وجود أصلا، فيصح أنه لا مؤثر في الوجود ابتداء إلا الله تعالى. منه " قده ".
(2) اقتباس من قوله تعالى في سورة يس. الآية 38.