متعددة (1) فكيف جاز للناصب استعماله هيهنا؟ وهذا دليل على عجزه، بل عجز أصحابه عن الاستدلال بالدلائل اليقينية، وأما ثانيا: فلأنا قد ذكرنا أن الاعتبار اللغوي مما لا يعتد به في المطالب العقلية، ولا يلزم من التأويل فيما نحن فيه بمعونة الدليل العقلي تكذيب النصوص كما زعمه، وإلا لما جاز تأويل المتشابهات بوجه من الوجوه كاليد والقدم ونحوها بعد قيام الدليل العقلي على استحالة الجسمية على الله تعالى، على أنا قد بينا أن ليس يعتبر في معنى المشتق في اللغة قيام مبدئه، غايته أنه في أكثر المواد يستلزم ذلك، ألا ترى؟! أنه صح بحسب اللغة أن الضوء مضئ ولا يقوم به ضوء، وأنه يفسر المشتقات في اللغة الفارسية ما لا يقتضي قيام المبدأ، فيقال: العالم معناه " دانا " والقادر معناه " توانا " والبصير معناه " بينا " و غير ذلك من تفسيراتها، وأما ما ذكر من أنه ليس هيهنا دليل عقلي: يدل على امتناع إجراء النصوص المتضمنة لإثبات الصفات على ظاهرها، ففيه: أن النصوص لا تدل (2) على ثبوت تلك الصفات ووجودها في أنفسها، وإنما تدل على كونه تعالى عالما قادرا إلى غير ذلك، وثبوت الصفة للموصوف لا
يتوقف على وجودها في أنفسها، فلا يثبت مطلوبهم، ولو سلم أن ظاهرها ما فهموه منها نقول: إن الدلائل العقلية على إرادة خلاف ظاهرها كثيرة مذكورة في التجريد وغيرها، وأخف ما
____________________
(1) منها ما ذكره شارح العقايد النسفية في جواب استدلال المجسمة إن كل موجودين فرضا يكون أحدهما متصلا بالآخر مما سأله أو منفصلا عنه مباينا في الجهة والله تعالى ليس حالا ولا محلا للعالم، فيكون مبائنا في الجهة فيتحيز، فيكون جسما أو جزء جسم متصورا متناهيا حيث قال الشارح، والجواب أن ذلك وهم محض، وحكم على غير المحسوس بأحكام المحسوس " منه قده ".
(2) إشارة إلى أن النصوص واقعة على حسب الاستعمال اللغوي، والاستعمال اللغوي لا يستلزم اعتبار القيام في كل مشتق كما مر " منه قده ".