قال المصنف رفع الله درجته البحث الثاني في شرائط الادراك أطبق العلماء بأسرهم عدى الأشاعرة على أن الادراك مشروط بأمور ثمانية لا يحصل بدونها، الأول سلامة الحاسة، الثاني المقابلة أو ما في حكمها كما في الأعراض والصور في المرايا فلا تبصر شيئا لا يكون مقابلا، ولا في حكم المقابل، الثالث عدم القرب المفرط، فإن الجسم لو التصق بالعين لم يمكن رؤيته، الرابع عدم البعد المفرط لأن البعد إذا أفرط لم يمكن الرؤية، الخامس عدم الحجاب فإن مع وجود الحجاب بين الرائي والمرئي لا يمكن الرؤية، السادس عدم الشفافية، فإن الجسم الشفاف الذي لا لون له كالهواء لا يمكن رؤيته، السابع تعمد الرائي للادراك، الثامن وقوع الضوء عليه، فإن الجسم الملوك لا يشاهد في الظلمة، وحكموا بذلك حكما ضروريا لا يرتابون فيه، وخالفت الأشاعرة في ذلك جميع العقلاء من المتكلمين والفلاسفة، ولم يجعلوا للادراك شرطا من هذه الشرائط، وهو مكابرة محضة، لا يشك فيها عاقل " إنتهى كلامه " قال الناصب خفضه الله أقول: إعلم أن شرط الشئ ما يكون وجوده موقوفا عليه ويكون خارجا عنه، فمن قال شرط الرؤية هذه الأمور ماذا يريد من هذا؟ إن أراد أن الرؤية لا يمكن أن يتحقق عقلا إلا بتحقق هذه الأمور، واستحال عقلا تحققه بدون هذه الأمور فنقول به لا نسلم الاستحالة العقلية، لأنا وإن نرى في الأسباب الطبيعية وجود الرؤية عند تحقق هذه الشرائط وفقدانها عند فقدان شئ منها، إلا أنه لا يلزم بمجرد ذلك من فرض تحقق الرؤية بدون هذه الشرائط محال، وكل ما كان كذلك لا يكون
(٩٢)