ولعل من يحكم بالنجاسة غفل عن ذلك لما رأى أن قوله ينزل على الصدق، وكذا فعله بالنسبة إليه نفسه، فإذا اجتنب من إنائه وقال إنه نجس، ليس لأحد أن يمنعه ويردعه عن ذلك، ويقال إن اجتنابه صحيح، وقوله صادق، فحسب أن ذلك يثبت النجاسة الواقعية، حتى يلزم على غيره أيضا الاجتناب; وانفكاك الأحكام المتلازمة في نظر الظاهر في غاية الكثرة، ولا ضير فيه.
وقد يستدل عليه ببعض الأخبار الواردة في أن شراء الخف والفراء من سوق المسلمين لا حاجة فيه إلى المسألة (1) حيث يظهر منها أن المسألة مثمرة لقبول قول البائع فيما في يده.
وأنت خبير بعدم دلالته أصلا، لأنه إذا قال " غير مذكى " فهو مطابق لأصالة عدم التذكية، والذي اعتمدنا عليه في رفع تلك الأصالة هو يد المسلم وقوله، وقد ارتفع فيما نحن فيه، إذ فعله ليس أقوى من قوله.
وإذا قال " إنه مذكى " فهو إنما يقبل لأنه قول منه لا يوجب ضررا ولا تكليفا على الغير ولا معارض له أيضا، ومن ذلك يظهر أن إخبار ذي اليد كاف في الطهارة وإن علمت النجاسة قبله، بل الظاهر قبول قول المسلم في تطهير ثوب غيره أيضا كالتذكية.
وتؤيده حسنة ميسر قال، قلت لأبي عبد الله عليه السلام: آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني، فلا تبالغ في غسله، فأصلي فيه، فإذا هو يابس، قال: " أعد صلاتك، أما إنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شئ " (2) وللزوم العسر والحرج العظيم لولا ذلك.
ولعل من قيد قبول النجاسة بما قبل استعمال الغير نظر إلى بعض ما ذكرنا، ولكنه لم يستوف التحقيق.
وأما من اشترط بيان سبب النجاسة، فقد أصاب في المختلف فيه من النجاسات.