هو هذا القبيح، وكذا الحسن فليس الفعل عندهم منشأ حسن ولا قبح ولا مصلحة ولا مفسدة ولا نقص ولا كمال، ولا فرق بين
السجود للشيطان
والسجود للرحمان في نفس الأمر، ولا بين
الصدق والكذب، ولا بين النكاح والسفاح، إلا أن الشارع أوجب هذا وحرم هذا، فمعنى حسنه كونه مأمورا به من الشارع، لا أنه منشأ مصلحة، ومعنى قبح كونه منهيا عنه منه، لا أنه منشأ مفسدة، وهذا المذهب بعد تصوره وتصور لوازمه يجزم العقل ببطلانه، وقد دل
القرآن على فساده في غير موضع، وتشهد به الفطرة السليمة وصريح العقل، فإن الله فطر عباده على استحسان
الصدق والعدل والعفة والاحسان ومقابلة النعم بالشكر، وفطرهم على استقباح أضدادها، ونسبة هذا إلى فطرتهم كنسبة الحلو والحامض إلى أذواقهم، وكنسبة رائحة المسك ورائحة النتن إلى مشامهم، وكنسبة الصوت اللذيذ وضده إلى أسماعهم، وكذلك ما يدركونه بسائر مشاعرهم الظاهرة و الباطنة، فيفرقون بين طيبه وخبيثه ونافعه وضاره. وقد أجاب بعض (1) المتأخرين من نفاة التحسين والتقبيح: بأن هذا متفق عليه، وهو راجع إلى النقص والكمال أو الملائمة والمنافرة بحسب اقتضاء الطباع وقبولها للشيئ وانتفاعها به، ونفرتها من ضده، وإنما النزاع في كون الفعل متعلقا للمدح والذم عاجلا والثواب والعقاب آجلا، وهذا هو الذي نفيناه وقلنا: إنه لا يعلم إلا بالشرع. وقال خصومنا: إنه معلوم بالعقل، والعقل مقتض له، وأنت خبير بما قررته لك من كلامهم بأن هذا الجواب مع كونه فرارا واضحا لا ارتباط له بدفع الأصل الأول أصلا، لما مر من أن المتنازع فيه في هذا الأصل، هو أنه ما حسنه الشارع وأمر به كان سابقا حسنا، ثم أمر به أم لا،
____________________
(1) ولعل المراد به المولى جلال الدين الدواني أو الميرزا جان الباغنوي الشيرازي و قد مرت ترجمتهما.