والحاصل أن الكمال والنقص يجريان في الأفعال، وأن تسليم الحسن والقبح بهذا المعنى في الأفعال مستلزم للقول: بالحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه، كما أشار إليه صاحب المواقف وغيره، لأن بديهة العقل حاكمة بأنه لا يجوز من الحكيم الكامل النهي عن الصدق وجعله متعلقا للعقاب، والأمر بالكذب وجعله متعلقا للثواب، فإنكار هذا يكون مناقضا للاعتراف بذلك، وينقدح منه بطلان ما قالوا:
من أنه أمر به فصار حسنا أو نهى عنه فصار قبيحا، ويمكن أن ينبه على ذلك بأن من رأى من أحد بعض الأفعال الحسنة عند العقل وجد من نفسه إقداما بالاحسان إلى فاعله إما بالمدح وإما بغيره، بل يجعل الاحسان إليه حقا ثابتا في ذمته، وإذا وجد ذلك من نفسه حكم يقينا بأن الجواد المطلق أحق بأن يجعل الاحسان إليه، ولا سيما بعد أمره بالافعال المذكورة حقا ثابتا في ذمته، فيحسن إليه في الأجل إما باللذات العقلية والبدنية معا، وإما باللذات العقلية البحتة (1) وإما باللذات البدنية الصرفة، وإما بإعادته إلى شكل أفضل من الأول. وينقدح من ذلك أن الشرع الصريح والعقل الصحيح في إدراك ما يستقل العقل بإدراكه متوافقان متطابقان، فإن العقل الصحيح الخالي عن شوائب الوهم حجة من حجج
____________________
(1) البحت من الشئ خالصه.