مع الإذن المجرد، لا مع التوكيل بلفظها، حملا لكل معنى على لفظه: ويضعف بما مر، فإن الوكالة ليست أمرا " مغايرا " للإذن، بل تتأدى بكل ما دل عليها، ولا فرق بين الصيغتين، انتهى.
أقول: لا ريب في صحة ما ذكره من أن الوكالة ليست إلا مجرد الإذن للوكيل فيما وكل عليه على النحو المتقدم، ويترتب أحكام الوكالة على ذلك، كما تقدم تحقيقه، إلا أن الكلام هنا بالنسبة إلى أوامر السيد لعبده، فإنها لما كانت إنما تقع غالبا " على جهة الاستخدام المطلوب منه، فالإذن المفهوم من هذه الأوامر ليس على حد الإذن المفهوم من تلك الأوامر الواردة في الأخبار، مثل قول شخص لآخر بع لي هذا أو اشتر لي كذا ونحو ذلك، فإن المفهوم من الأخبار أن ذلك الإذن هنا وكالة شرعية، يترتب عليه ما يترتب على الوكالة من الأحكام بخلاف أوامر السيد على عبده، من حيث أن الغالب أن تلك الأوامر إنما تقع على جهة الاستخدام، لأنها وكالة شرعية في كل مقام، الفرق بين الأمرين أظهر من أن يخفى على ذوي الأفهام، فحمل بعض أوامر السيد لعبده على الوكالة يحتاج إلى قرينة ظاهرة، في قصد الوكالة ليترتب عليها ما يترتب على الوكالة، وإلا فهي أعم من ذلك كما لا يخفى، والله سبحانه العالم التاسعة: قالوا لو قال: وكلتك على قبض حقي من فلإن لم تكن له مطالبة الورثة بعد موته وقبل قبضه الحق، ولو قال له: وكلتك على قبض حقي الذي على فلان كان له ذلك، والفرق بين الصيغتين أن الجار والمجرور في الصورة الأولى وهو قوله من فلان متعلق بلفظ قبض، ففيه تعيين للمقبوض منه، وهو المديون ولا يتعدى إلى الوارث، فإنه غير المديون.
نعم يتعدى إلى وكيل المديون، فيجوز القبض، لأن يده كيده وهو نائب عنه والفرق بينه وبين الوارث، إن الملك لم ينتقل إلى الوارث بحق النيابة عن المورث وإنما انتقل إليه بالملك أصالة بخلاف الوكيل، فإن يده عليه إنما هي بطريق النيابة.