أقول: وهذا الخبر مبين لما أجمل في الأخبار المتقدمة كما ذيلناها به، وتحقيق الكلام في المقام أنك قد عرفت فيما تقدم أن الوصية من العقود الجائزة في حياة الموصي فلكل من الموصي والموصى له بمال ونحوه، والموصى إليه بالولاية، فسخها في حياة الموصي اجماعا ".
وأما بعد موته فإن قبل كل من الموصى له والموصى إليه فليس له الرد اتفاقا، وإن لم يقبل في حال الحياة جاز له الرد بعد وفاته، إلا أنه في الموصى إليه مشروط بأن يبلغ الموصي ويعلمه الرد في حال حياته، فلو لم يعلمه ذلك في حال الحياة لزمه القيام بذلك، ولم يكن لرده أثر يترتب عليه، هذا هو المشهور.
وعليه تدل الأخبار المذكورة، لأنها كما عرفت متفقة في أنه لو كان الموصى إليه غائبا " ومات الموصي بعد الوصية فليس له الرد، سواء بلغه الخبر وردها، ولكن لم يبلغ الرد الموصي أو لم يبلغه الخبر إلا بعد موت الموصي، فإنه ليس له الرد، بل يجب عليه القبول، وحينئذ فالحكم في هذه الصورة كما في الصورة الأولى أعني موت الموصي بعد قبول الوصي، فإنه ليس للوصي الرد بعد موته اتفاقا ".
وذهب العلامة في التحرير والمختلف إلى أنه يجوز له الرجوع ما لم يقبل، قال في المختلف: أطلق الأصحاب عدم جواز رد الوصية إذا لم يعلم الوصي بها حتى يموت الموصي، أو يعلم ويرد، ولما يعلم الموصي بالرد، لروايات كثيرة ثم نقل رواية منصور بن حازم، وصحيحة محمد بن مسلم قال: والوجه عندي المصير إلى ذلك أن كان قد قبل الوصية أولا "، وإن لم يكن قبل ولا علم جاز له الرجوع، للأصل، ولإزالة الضرر الواصل بالتحمل غير المستحق، وقد قال الله تعالى (1) " ما جعل عليكم في الدين من حرج " وقال عليه السلام (2) " لا ضرر ولا ضرار في الاسلام " وتحمل الأحاديث على حصول القبول، لأنه عقد ولا بد فيه من القبول،