بدفع ذلك إلى من يخرج إلى بعض الثغور إنما هو من حيث إن الموصي كان من العامة، القائلين باختصاص هذا اللفظ بالمجاهدين، فلا منافاة فيها لما تقدم.
وأما صحيحة محمد بن مسلم فظاهرها أن المراد بسبيل الله الذي أمر عليه السلام بالاعطاء له هو الجهاد، وهو إما محمول على كون الموصي مخالفا "، أو أن الحكم خرج مخرج التقية، والاستدلال بالآية مضافا " إلى قوله " اعطه لمن أوصى " يؤيد الأول.
وأما رواية حجاج الخشاب فظاهرها أيضا " أن المرأة الموصية كانت مخالفة وأنها أرادت بسبيل الله الجهاد، ولهذا كلما كرر عليها بعض وجوه القربات، يأمر بالجعل في سبيل الله، وقد أمر عليه السلام بصرفه في ذلك محتجا " بالآية، وفيه إشارة إلى أنها إنما قصدت الجهاد، فالمخالفة له تبديل منهي عنه، ثم قال له " أرأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديا كنت تعطيه نصرانيا "، وفيه أيضا إشارة إلى معلومية الموصى إليه من هذا اللفظ، وليس إلا الجهاد.
بقي الكلام في عدوله عليه السلام بعد هذه المدة إلى ما ذكره في آخر الخبر من الدفع إلى ذلك الرجل، ويحتمل أن يكون من حيث عدم وجود المصرف في ذلك الوقت أو إرادة أن جهادهم لم يكن مشروعا، عدل عنه إلى صرفه في الشيعة، كما هو مذهبهم عليهم السلام في المسألة.
وأما باقي الأخبار فهي متلائمة متقاربة للدلالة على القول المشهور، ويؤيدها ما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره، في تفسير قوله سبحانه في آية الزكاة " في سبيل الله " (1) " عن العالم عليه السلام قال و " في سبيل الله " قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما تقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به، أو في جميع سبيل الخير " الحديث، وبذلك يظهر أن الأقوى هو القول المشهور، والله العالم.