الأخبار وإن كانت بلفظ الصدقة، لما عرفت آنفا من التعبير بهذا اللفظ عن الوقف وأن أكثر استعماله قديما إنما هو في هذا المعنى.
ومنها صحيحة الحلبي (1) (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دار لم تقسم فتصدق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار؟ قال: يجوز، قلت: أرأيت إن كان هبة؟
قال: يجوز).
ورواية أبي بصير (2) (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صدقة ما لم تقسم ولم تقبض؟ فقال: جائزة إنما أراد الناس النحل فأخطأوا).
قوله صدقة ما لم تقسم ولم تقبض) يعني ما كان مشتركا قبل القسمة، أو اشتراه مثلا ولم يقبضه، أو لم يقبضه بعد القسمة، وأما قوله (وإنما أراد الناس إلى آخره) فهو لا يخلو من خفاء وغموض، واحتمل فيه بعض الأصحاب احتمالات بعيدة، إلا أنه من المحتمل قريبا بمعونة ما قدمناه في الأمر التاسع من المسألة الثالثة أن المراد إنما أراد الناس من لفظ الصدقة في مثل صدقة الدار النحلة والهبة أخطأوا في ذلك بل المراد به الوقف، كما يشير إليه قوله عليه السلام فيما قدمنا أن الصدقة محدثة، إنما كانت النحلة والهبة وتسمية بعض أفرادها، هو ما كان مقرونا بالقربة صدقة، محدث من العامة، وإنما الصدقة معنى الوقف.
ومنه يعلم أن التقسيم الذي ذكره أصحابنا هنا من الوقف والصدقة والهبة، إنما هو من العامة تبعهم فيه الأصحاب، وإلا فليس إلا الوقف المعبر عنه بالصدقة في أخبار هذا الباب والنحلة والهبة، وهذه الصدقة التي جعلوها قسيما هنا إنما هي من جملة أفراد النحل والهبات.
وما ذكرناه وإن لم يوافق كلامهم (رضوان الله عليهم) إلا أنه ظاهر الأخبار المذكورة، وعسى يأتي له مزيد تحقيق انشاء الله تعالى في باب الهبة والنحلة.