وبما ذكرنا يظهر أنه لا يجوز وقف شئ من الكلاب إلا كلب الصيد لأنها غير مملوكة، والذي ثبت تملكه منها إنما هو هذا الفرد خاصة، ومجرد أن لها منفعة لا يكفي في صحة وقفها مع كونها غير مملوكة، ولو صح تملكها لصح بيعها فكما امتنع البيع لعدم دخولها في الملك امتنع الوقف لذلك، وقد عرفت أن المعلوم من الأخبار هو بيع الصيد بخصوصه.
وأما بمعنى كونه ملكا للواقف بالفعل فلو لم يكن كذلك لم يصح وقفه، وعلى هذا لا يصح الوقف فضولا وإن أجاز المالك كما هو أحد القولين في المسألة وقيل: يصح بإجازة المالك، وتوقف في التذكرة والدروس.
وكلماتهم في هذا المقام عليلة لا تصلح لتأسيس الأحكام، وقد عرفت في كتاب البيع (1) بطلان التصرف الفضولي بيعا كان أو وقفا أو غيرهما، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه وهو قبيح عقلا ونقلا، وقد مرت الروايات المصرحة بذلك.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة: إن أريد بالمملوكية صلاحيتها بالنظر إلى الواقف، فهو شرط الصحة، وإن أريد به المالك الفعلي فهو شرط اللزوم، والأولى أن يراد به الأعم، انتهى ملخصا.
أقول: هذا التفصيل مبني على مذهبه، وقوله بصحة العقد الفضولي، وأما على ما اخترناه من القول ببطلانه فالأمر واحد، وهو أنه شرط في الصحة في كلا الاحتمالين وما ذكره من أن الأولى أن يكون المراد به الأعم جيد، إذ كما لا يصح بالنسبة إلى ما لا يصح تملكه، كذا لا يصح بالنسبة إلى ما لا يملكه بالفعل.
الثالث: أن يصح الانتفاع بها مع بقائها، ولا ريب أنه يجب أن يكون لذلك العين نفع محلل مع بقائها فلو وقف ما لا نفع فيه بالكلية، أو كان الانتقاع به محرما، أو كان الانتفاع موجبا لذهاب عينه كالخبز والفاكهة والطعام بطل، ولا يشترط في الانتفاع كونه في الحال: فيصح وقف العبد الصغير والدابة الصغيرة،