البال. ومتى عانقني بوجه الالتفات، فعضني بضرس النائبات. وحيثما ضيفني ببسط موائد العطيات، أطعمني بتشعبات الأمراض (1)، وسقاني بمشارب الحسرات، فرب فجيعة تدهش منها مشاعر الخواطر، ورب نزيلة ينهش قذى سمومها أناسي النواظر (2).
وكم من ضنك في العيش وضيق في المعيشة؟ وكم من بائقة لا ترضى بصحبتها العيشة؟
ومع ذلك فقد كنت أختلس من آنات غفلاته فرصا، مع ما كنت أتجرع من مشارب الإحن وكؤوس المحن غصصا (3).
وكنت شرعت في عنفوان الشباب في استنباط المسائل من مآخذها، وأخذت في تأليف كتاب يحتوي على مهمات مطالبها، وسميته كتاب مناهج الأحكام في مسائل الحلال والحرام، وقصدت فيه بيان الأدلة والأقوال، وذكر ما تبتني عليه الأحكام على التفصيل حسب ما اقتضاه الحال.
وعاقني عن ذلك بوائق الزمان وعوائق الدهر الخوان، فربما سولت لي الأيام بمخائل تبدل الحال بأرفه من الحال، وربما سوفتني النفس بتأميل حصول الفراغ والوقت الآمن من القلق والزلزال.
فاستصحبتني تلك الشيمة إلى الحين، وقد جاوزت الآن من الأربعين، ولم نكتب منه بالظن والتخمين، إلا مثل العشرة بالنسبة إلى الستين، على تفرق في الأبواب، حسب ما ساعدتني الأسباب، واتفق لي سهولة جمع المسائل في ذلك الباب.
ثم قد رأيت ولى الشباب، وألم المشيب، وولى وجه المحبوب، وتدلت شدائد قهر