أقول: والتحقيق أن يقال إن الناس بالنسبة إلى العدالة وعدمها على أقسام ثلاثة: أحدها العادل، وهو من عرف بالقيام بالواجب واجتناب المحرمات، وثانيها الفاسق، وهو من أخل بشئ من الواجبات أو ارتكب المحرمات، وثالثها مجهول، وهو من لا يعرف بشئ من الأمرين، والدليلان الأولان - من أدلة القول الأول غاية ما يدلان عليه نفي الفساق، دون المجهول الحال، وحينئذ فيجوز وصاية المجهول الحال ولا تلزم العدالة.
وأما الدليل الثالث فإن أريد بالعدالة المشروطة في وكيل الوكيل ظهور العدالة فيه بالمعنى المتقدم، فالاستدلال به مصادرة، لأنه عين المتنازع، وإن أريد عدم ظهور الفسق سلمناه، ولكنه لا يفيد الاشتراط المدعي.
وبالجملة فإن المسألة عارية من النص والاحتياط فيه مطلوب، وظواهر جملة من النصوص بالنسبة إلى من مات وله أموال، وورثة صغار، ولا وصي له، اشتراط عدالة المتولي لذلك، وهو وإن كان خارجا عما نحن فيه، إلا أن فيه اشعارا بأن المتولي لأمر الوصاية ينبغي أن يكون عدلا مؤتمنا، ولا فرق بين الأمرين، إلا كون الأول منصوبا " من قبل الشرع، وهذا منصوب من قبل الموصي، وإلا فهو بالنسبة إلى ما يتصرف فيه واحد، وحينئذ فكما تراعى العدالة فيه من حيث إن الناصب له الشرع، كذا تراعى من حيث إن الناصب الموصي، فلا ينصب لذلك إلا عدلا "، والفرق بينهما بأن الموصي له التسلط على ماله بدفعه إلى من يشاء، ويسلط عليه من يختاره، لأن " الناس مسلطون على أموالهم " (1) بخلاف الحاكم الشرعي المنوط تصرفه بالمصلحة دون ما فيه مفسدة ضعيف، فإن الموصي بعد الموت وانتقال التركة وفيهم الصغير، وفيها الوصايا إلى الجهات العامة ونحو ذلك من التصرفات التي تحتاج إلى الوثوق والائتمان، لا تعلق له بذلك، فتصرفه فيما ذكر إنما هو تصرف في مال الغير، لا مال نفسه كما ذكره، ومما ذكرناه يعلم أنه لا ريب في