وإن كان موردها الوصية كما في بعض، والهدي كما في آخر، والنذر كما في ثالث ولم يتضمن شئ منها حكم الوقف إلا أنها مما يتبادر منها إلى الفهم السليم والذهن القويم كون الوقف كذلك، فإن الجميع مشترك في الخروج عن المالك بما وقع من وقف أو وصية أو نذر أو نحوها، فعوده إليه عند تعذر المصرف المخصوص يتوقف على الدليل، ولا دليل، بقي الأمر في أنه متى لم يرجع إليه فلا بد من مصرف، وهذه الأخبار قد عينت مصرف ما اشتملت عليه بأنه أبواب البر، وإن كان مخصوصا " في بعضها بنوع خاص، كما في أخبار الكعبة، فلا بد أن يكون مصرف الوقف كذلك للاشتراك في العلة، وإلا بقي بغير مصرف وهو باطل اجماعا ".
وما ذكره في المسالك في الاعتراض على دليل القول المشهور من أنه لا يلزم من قصده القربة الخاصة وإرادتها قصد القربة المطلقة إلى آخره، وارد في هذه الأفراد التي ذكرناها، مع أن الأخبار قد صرحت بخلافه، وحينئذ فلا اعتماد عليه، إذ لو كان صحيحا " في حد ذاته لكان عليا " في جميع هذه الموارد، مع أن الأخبار كما دريت على خلافه.
وأما ما ذكره في المسالك على أثر الكلام المتقدم حيث قال: والتحقيق أن المصلحة المذكورة الموقوف عليها لا يخلو من أن يكون مما ينقرض غالبا " أو يدوم غالبا " أو يشتبه الحال، والأول كما لو وقف على شجر مخصوص كالتين والعنب.
وهذه الوقف يكون كمنقطع الآخر إذ هو بعض أفراده، فيرجع بعد انقضائه إلى الواقف، أو ورثته على الخلاف، حيث لا يجعله بعده لمصلحة أخرى تقتضي التأبيد.
والثاني كالوقف على مصلحة عين من ماء مخصوص ونحوه مما تقضي العادة بدوامه، فيتفق عوزه أو على قنطرة على نهر يتفق انقطاعها، وانتقاله عن ذلك المكان حيث لا تكون العادة قاضية بذلك، والمتجه فيه ما ذكره الأصحاب لخروج الملك عن الواقف بالوقف، فعوده يحتاج إلى دليل، وهو منتف، وصرفه في وجوه البر أنسب بمراعاة غرضه الأصلي إن لم يجز صرفه فيما هو أعم منه.