وأراد من تدوينه الموطأ تدوين ما حملوه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعناية ممتازة، كما يحفظ أثمن الأمانات وأنفسها.
قال ولى الله الدهلوي: إن المدينة المنورة كانت في عهد الامام مالك، ومن قبله، مرجع الفضلاء، ومحط رجال العلماء، ولهذا كان ينبغ فهيا من عهد النبي صلى الله عليه وسلم كبار علماء الفتيا الذين كانوا قبلة العالم في العلم.
فورثهم جميعا الامام مالك واضطلع بأعباء هذا الامر الجليل، وأخذ عنهم العلم تداولا - كما يأخذ أحدنا من الاخر بيده شيئا ملموسا، لا مجال للشك فيه، أخذا وعطاء، وأدرج في كتابه الموطأ ما حفظ عنهم، وصار كتابه مرجعا لطوائف العلماء من المحدثين والفقهاء.
فمذهب الشافعي في الحقيقة تفصيل لكتاب الموطأ.
ورأس المال لفقه الإمام محمد بن الحسن الشيباني في المبسوط، هو ذاك العلم عن مالك.
وما كان منهم في عصر تبع التابعين إلا الإمام أبو حنيفة والامام مالك.
فأبو حنيفة لم يتسلسل عنه رواية الحديث بطريق الثقات.
وإن رؤوس المحدثين - مثل أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبى داود والنسائي وابن ماجة والدارمي لم يرووا عنه (أي عن أبي حنيفة) حديثا واحدا.
أما الامام مالك فاتفق أهل الثقة قاطبة على أن الحديث إذا ثبت بروايته كان في الذروة العليا من الصحة.
والامامان المتأخران أحمد والشافعي - هما من تلاميذه والمستفيدين من علمه.
أما التزام الصحة، فقال الشافعي: ما على ظهر الأرض - بعد كتاب الله - أصح من كتاب مالك.
وفى رواية عنه: ما في الأرض - بعد كتاب الله - أكثر صوابا من موطأ مالك.
ويقول الدهلوي: إن أصحاب الكتب الستة (أي البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة) والحاكم، في المستدرك على الصحيحين، بذلوا وسعهم في وصل مراسيل مالك ورفع موقوفاته.
فكأن هذه الكتب شروع للموطأ، وتتمات له.
ولا يوجد فيه موقوف صحابي أو أثر تابعي إلا وله مأخذ من الكتاب والسنة.
وقد تلقى الموطأ عن الامام مالك جمع غفير من كل طائفة.
منهم من خلفاء بنى العباس: الرشيد، وابناه الأمين والمأمون. وقيل الهدى والهادي أيضا.
ومن أئمة الاسلام المجتهدين الشافعي، ومحمد بن الحسن بلا واسطة، والإمام أحمد بواسطة عبد الرحمن بن مهدي وآخرين، عنه. وأبو يوسف عن أحد شيوخه، عن مالك.