والقبول، ونحن إن شاء الله في هذا الفصل نحذو حذوه، ونجاوبه فصلا بفصل، و عقيدة بعقيدة، على شرط تجنب التهمة والافتراء ومحافظة شريطة
الصدق والانصاف، فنقول: لو استجار مشرك في بلاد الاسلام، وأراد أن يسمع كلام الله رجاء أن يستحسنه ويميل قلبه إلى الاسلام، فطلب من العلماء أصول دين المسلمين في العدل والتوحيد ليرغب بفهمه إلى الملة البيضاء، فيا معشر العقلاء هل كان الأولى أن يقال له حتى يرغب ويتزين الاسلام في قلبه: إن الإله الذي يدعوك إلى طاعته وعبوديته هو خالق كل الأشياء وهو الفاعل المختار، ولا يجري في ملكه إلا ما يشاء وهو يحكم ما يريد، ولا
شريك له في الخلق والتصرف في الكائنات ولا تسقط ورقة ولا تتحرك نملة، إلا بحكمه وإرادته وقضائه وقدرته دبر أمور الكائنات في أزل الآزال، وقدر ما يجري وما يصدر عنهم قبل خلقهم وإيجادهم، ثم خلقهم وأمرهم ونهاهم، وأفعاله جملة حكمة وصواب ولا قبيح في فعله، ولا يجب عليه شئ، وكل ما يفعله في العباد من إعطاء الثواب وإجراء العقاب فهو تصرف في ملكه، ولا يتصور منه ظلم، لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون (1) وهو منزه عن فعل القبائح، إذ لا قبيح بالنسبة إليه ونحن نرضى بقضائه، والقضاء غير المقضي، هل الأولى هذا؟ أو يقال: الإله الذي ندعوك إليه له شركاء في الخلق فأنت تخلق أفعالك، وكل الناس يخلقون أفعالهم، وهو الموجب الذي لا تصرف له في الكائنات بالإرادة والاختيار، بل هو كالنار إذا صادف الحطب يجب عليه الاحراق، والعبد إذا عمل حسنة وجب عليه الثواب، فهذه الحسنة كالدين على رقبته يجب له أداء ثوابها، وإذا عمل سيئة يجب عليه عقابها، وليس له أن يتفضل ويتجاوز بفضله عن ذلك الذنب بل الواجب واللازم عليه عقابه، كالنار الواجب عليه الاحراق، وأنه خلق العالم ولم يجر له قضاء سابق، وعلم
____________________
(1) اقتباس من قوله تعالى في سورة الأنبياء. الآية 23.