كناية إلى التأبيد إلى يوم القيمة، وهو معنى الخبر النبوي (1) " حبس الأصل وسبل الثمرة " ولا معنى لحبسه إلا عدم التصرف فيه بوجه ناقل عما هو عليه بعد الوقف، ونحوه قول أمير المؤمنين عليه السلام المتقدم، ويجعل المال على أصوله وينفق الثمرة " وبذلك يظهر لك أن هذا الخلاف والتفريع على ما ذكروه من تلك الأقوال التي قد عرفت خروج أكثرها عن جادة الاعتدال كله تطويل بغير طائل والله العالم.
الرابع: قالوا: مما يتفرع على الخلاف المتقدم نفقة العبد الموقوف، فإن جعلناه للموقوف عليه، كما هو أحدا الأقوال، ففي نفقته وجهان: بل قولان:
أحدهما للشيخ في المبسوط، وهو أنها في كسبه، لأن نفقته من شروط بقائه، كعمارة العقار وهي مقدمة على حق الموقوف عليه، ولأن الغرض بالوقف انتفاع الموقوف عليه، وهو موقوف على بقاء عينه، وإنما يبقى بالنفقة فيصر كأن قد شرطها من كسبه.
والثاني والظاهر أنه الأقرب وقواه في المسالك وهو اختيار العلامة في المختلف وغيره أيضا، وجوب النفقة على الموقوف عليه، لأنه ملكه، والنفقة تابعة للملك.
أقول: ويؤيده أن منافعه مستحقة للموقوف عليه بالوقف، وربما أوجب سعيه في كسب النفقة وتحصيلها تفويت المنافع المذكورة، فلا ثمرة للوقف حينئذ وما تقدم من الاستدلال على كونها في كسبه بأن النفقة من شروط بقائه مسلم، ولكن لا يستلزم ذلك أن يكون من كسبه، بل الواجب على الموقوف عليه ذلك للغرض المذكور.
وإن قلنا بكونه لله عز وجل فإنهم بنوه على أن نفقة مستحق المنافع كالأجير الخاص والموصى بخدمته على مستحقها، أم لا؟ فإن جعلناها عليه، فهي هنا على الموقوف عليه أيضا "، وإلا ففي كسبه، فإن تعذر ففي بيت المال، وإن قلنا بكونه للواقف فاشكال.