أحاديث أصحابنا فيها على وجهين: أحدهما: أنه يأكل الصيد ويفدي ولا يأكل الميتة، والوجه الآخر: يأكل الميتة. ثم قال: دليلنا على ذلك: إن الصيد إذا قتله وأكله فيكون (1) أكل ماله طيبا، وأيضا أكثر أصحابنا على ذلك وأكثر رواياتهم. وإذا قلنا: بالرواية الأخرى - وهو الأصح عندي - (إن الصيد إن كان حيا فذبحه المحرم كان حكمه حكم الميتة ويلزمه الفداء) فإن أكل (2) الميتة أولى من غير أن يلزمه فداء. والرواية الأخرى نحملها على من وجد الصيد مذبوحا (3)، فإن الأولى أن يأكله ويفدي ولا يأكل الميتة (4).
وابن إدريس (5) اختار التفصيل الذي ذكره في الخلاف، ولا بأس به، وقد تقدم البحث في ذلك.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا اضطر إلى شرب الخمر للعطش أو الجوع أو التداوي فالظاهر أنه لا يبيحها أصلا، وقد روي أنه يجوز عند الاضطرار إلى الشرب أن يشرب فأما الأكل والتداوي فلا، وبهذا التفصيل قال أصحاب الشافعي، وقال الثوري وأبو حنيفة يحل للمضطر إلى الطعام والشراب ويحل للتداوي به. ثم استدل بإجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا طريقة الاحتياط يقتضي ذلك، وأيضا تحريم الخمر معلوم ضرورة وإباحتها في موضع يحتاج إلى دليل، وما قلناه مجمع عليه، وليس على ما قالوه دليل (6).
وقال في المبسوط: إن وجد المضطر بولا وخمرا شرب البول دون الخمر، لأن البول لا يكسر ولا حد في شربه، فإن لم يجد إلا الخمر فالمنصوص لأصحابنا أنه لا سبيل لأحد إلى شربها، سواء كان مضطرا إلى الأكل والشرب أو التداوي،