يدل على تردد الشيخ في الكتابين معا.
وقال ابن إدريس: الذي يقتضيه أصول أصحابنا أنه لا يحنث إلا بوجود الإيجاب والقبول، لأن الهبة عقد عندنا بلا خلاف، والعقود لا يكون إلا بين اثنين، وهو مثل البيع سواء. وقد فرق شيخنا بغير فرق وهو أنه قال: لا يقال:
باع بلفظ قوله: بعت حتى يحصل القبول، وكذلك نحن نقول في الهبة، لأنها باقية على ملكه بلا خلاف، فإذا وجد القبول انتقلت من ملكه، وكذلك البيع سواء، وقد رجع شيخنا في مبسوطه إلى ما اخترناه وحررناه (1).
وقول الشيخ في المبسوط هو الأقوى.
لنا: إن الهبة والبيع عقدان، فإن تناولت اليمين فعل الحالف فهو الإيجاب لا غير، وإن تناولت كمال العقد فهو الإيجاب إذا اقترن به القبول. نعم يمكن أن يقال: قبول الهبة قد يحصل بالفعل وقد يحصل بالقبول، والفعل ليس جزء من مسمى الهبة، فيبقى الجزء الأعظم فيها الإيجاب فينصرف اليمين فيها إليه، إلا أن الجواب أن القبول لا بد منه، سواء كان فعلا أو قولا، وكون الفعل لا يتعين للجزئية لا يخرجه عن كونه أحد الجزئين.
مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا حلف لا يأكل شحما - فالشحم هو الذي يكون في الجوف من شحم الكلى أو غيره - فإن أكل منه حنث، وإن أكل غيره من كل شئ في الشاة من لحمها الأحمر والأبيض والألية والكبد والطحال والقلب لم يحنث بشئ من هذا، لأن اسم الشحم لا يقع عليه، وقال بعضهم: إن أكل من لحم الظهر حنث. والأول أقوى عندي. ولو حلف لا يأكل لحما نظرت فإن أكل من اللحم الأحمر أو من الأبيض الذي يكون على الظهر حنث، وإن أكل من القلب لم يحنث، وإن أكل من شحم البطن لم