التطوع عندنا لا تسمى هبة، بل بينها وبين الهبة فرق كثير، لأن صدقة التطوع بعد القبض لا يجوز الرجوع فيها والهبة يجوز الرجوع فيها فلا يحنث بصدقة التطوع، لأنه ما وهب (1).
والمعتمد ما قاله الشيخ، لأن الوقف على تقدير انتقاله إلى الموقوف عليه والصدقة المتطوع بها يندرجان تحت اسم الهبة وحدها فيكونان نوعين منها.
وادعاء ابن إدريس الإجماع على خلافه غلط، وحجته بأن الصدقة لازمة والهبة غير لازمة ينتقض بهبة ذي الرحم بأنها لازمة والهبة غير لازمة فلا يكون هبة ذي الرحم هبة.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حلف لا وهبت عبدي ثم وهبه من رجل حنث بوجود الإيجاب، قبل الموهوب له أو لم يقبل، وبه قال أبو حنيفة وابن شريح (2)، وقال الأسفرائيني: لا يحنث، لأن الهبة عبارة عن الإيجاب والقبول كالبيع، وهو قوي. دليلنا على الأول: أنه إذا قال: وهبت فقد فعل ما حلف أنه لا يفعله، وإنما حلف ألا يفعل هذه الصيغة بعينها وقد فعلها فيجب أن يحنث، وليس كذلك البيع، لأنه لا يقال: باع بلفظة (3) قوله: (بعت) حتى يحصل القبول (4).
وقال في المبسوط: إذا حلف لا وهبت عبدي هذا أو قال له: إن وهبتك فأنت حر وجعله نذرا عندنا فإن وهبه من رجل حنث بوجود الإيجاب، قبل الموهوب له أو لم يقبل عند قوم، وقال آخرون - وهو الأقوى -: أنه لا يحنث حتى يحصل القبول، لأن الهبة عبارة عن الإيجاب والقبول معا كالبيع، بدليل أنه لو حلف لا بعت لم يحنث بالإيجاب، فالهبة مثله. والأول أيضا قوي (5). وهذا