أعمره، أو تصدق عليه بصدقة تطوع، حنث (1).
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب " تغمده الله برحمته " أما قوله رحمه الله وحده " فإن الهبة عبارة عن كل عين يملكه إياها متبرعا بغير عوض " فغير واضح، لأن الوقف كذلك، ولا يسمى هبة بغير خلاف، وصدقة التطوع عندنا لا تسمى هبة، بل بينها وبين الهبة فرق كثير، لأن صدقة التطوع بعد القبض، لا يجوز الرجوع فيها، والهبة يجوز الرجوع فيها، فلا يحنث صدقة التطوع، لأنه ما وهب.
إذا حلف لا أكلت هذه الحنطة، أو من هذه الحنطة، وأشار إلى حنطة بعينها، ثم طحنها دقيقا وأكلها، لم يحنث وكذلك إذا حلف لا أكلت هذا الدقيق، فخبزه، ثم أكله، لم يحنث.
ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه إلى أنه إذا حلف لا وهبت عبدي، ثم وهبه من رجل، حنث، بوجود الإيجاب قبل الموهوب له، أو لم يقبل (2).
قال محمد بن إدريس رحمه الله مصنف هذا الكتاب ما ذهب إليه رحمه الله، مذهب أبي حنيفة، وأبي العباس بن شريح، والدي يقتضيه أصول أصحابنا، أنه لا يحنث إلا بوجود الإيجاب والقبول، لأن الهبة عقد عندنا بلا خلاف، والعقود لا يكون إلا بين اثنين، وهو مثل البيع سواء، وقد فرق شيخنا بينهما بغير فرق، وهو أنه قال لا يقال باع بلفظ قوله بعت، حتى يحصل القبول، وكذلك نقول نحن في الهبة، لأنها باقية على ملكه بلا خلاف، فإذا وجد القبول، انتقلت من ملكه، وكذلك البيع سواء، فليلحظ ذلك.
وقد رجع شيخنا في مبسوطه (3)، إلى ما اخترناه وحررناه.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إذا حلف لا آكل شحما، فأكل شحم الظهر، لم يحنث (4).