قال الناصب خفضه الله أقول: قد مر مرارا أن صدق الأنبياء مجزوم به جزما مأخوذا من المعجزة، وعدم جريان عادة الله تعالى على إجراء المعجزة على يد الكذابين، وأنه يجري مجرى المحال العادي، فنحن نجزم أن مسيلمة كذاب لعدم المعجزة، ونجزم أن الله تعالى لم يظهر المعجزة على يد الكذاب، ويفيدنا هذا الجزم العلم العادي، فالفرق بينه وبين الأنبياء ظاهر مستند إلى العلم العادي، لا إلى القبح العقلي الذي يدعيه.
وما ذكره من الطامات والتنفير فهو الجرى على عادته في المزخرفات والترهات " إنتهى ".
أقول: قد مر منا أيضا مرارا أن قاعدة جريان العادة مهدومة عن أسها (1)، ومع ذلك لا يجب جريانها، ولهذا يتعقبها الخارق من المعجزات وغيرها، فتجويز وقوع الخرق والتخلف فيها سيما مع ضم العلم بجواز صدور القبيح عن الله تعالى يمنع الجزم بصدق الأنبياء كما لا يخفى، وبالجملة أنهم لا ينكرون أنه يجوز على الله تعالى فعل ما هو قبيح في الشاهد، ولا يقبح بالنسبة إليه، فليجز أن يظهر المعجزة على يد الكاذب ولا يقبح بالنسبة إليه، وبعبارة أخرى إذا صح أن الله تعالى يفعل القبائح ولا يقبح منه، فلم لا يجوز أن ينصب الأدلة من المعجزات وغيرها على الباطل؟ ويكون الحق عكس ما تقتضيه الأدلة فلا تحصل الثقة بأن النبي الذي أظهر دلالة المعجزة صادق، وكذا لا تحصل الثقة بأن ما عليه المسلمون
____________________
(1) الاس من المثلثات: أصل الشئ.