وأما قوله: لا يسئل عما يفعل، فهم يعنون به أن الله تعالى مالك الملك، وله التصرف في ملكه بما يشاء فلا يسئل عنه فيما يفعل من الحسن والقبح، وفيه أن كونه تعالى مالك الملك إنما يلزم منه أن يتصرف في ملكه ابتداء بما شاء بأن يخلق العبد أصم أو أبكم أو أكمه أو يخلق من أصناف الجواهر والأعراض، من الحيوانات والنباتات والمعادن ما شاء، وأما إذا خلق العبد وكلفه بفعل الحسن وترك القبيح، ووعده بالثواب على الأول وبالعقاب على الثاني، فامتثل العبد و بادر إلى الطاعة، لا يليق منه تعالى حينئذ التصرف فيه بخلاف ما وعده بأن يدخل هذا العبد في النار ويدخل (1) من عصاه في الجنة، كما أنه لا يليق منا بعد غرس الأشجار في الأراضي المملوكة لنا وحصول الثمار منها على الوجه الأتم أن نأخذ فاسا (2) أو منشارا، ونقطع تلك الأشجار بلا عروض حكمة ومصلحة ظاهرة تترجح على إبقاء تلك الأشجار، فإن ذلك يعد ظلما وسفها وحماقة كما لا يخفى، وكما إذا ملك انسان عبدا مسلما فقتله من غير أن يحدث حدثا، فإن جميع العقلاء يعدونه ظالما سفيها سفاكا، وبهذا ظهر أن الظلم ليس بمنحصر في التصرف في ملك الغير بغير إذنه هذا، وإنما معنى قوله تعالى: لا يسئل عما يفعل على ما ذهب إليه أهل العدل، أنه لما ثبتت حكمته تعالى وعدله في محكمة (3) العقل والنقل، فلا وجه لأن يسئل عن فعله إذا خفي وجهه، كما لا يسأل المريض الطبيب الحاذق
____________________
(1) وذلك لا ينافي عنوان التفضل منه تعالى على العاصي.
(2) آلة معروفة لقطع الخشب وغيره، وقد تترك الهمزة فيقال فاس، والكلمة من المؤنثات السماعية: جمعها أفؤس وفؤس.
(3) هو من باب إضافة المكان إلى المكين.
(2) آلة معروفة لقطع الخشب وغيره، وقد تترك الهمزة فيقال فاس، والكلمة من المؤنثات السماعية: جمعها أفؤس وفؤس.
(3) هو من باب إضافة المكان إلى المكين.