تعالى، لأنه إن لم يفد بكلامه في الأزل شيئا كان سفيها، وهو قبيح عليه تعالى وإن أفاد فإما لنفسه أو لغيره، والأول باطل، لأن المخاطب إنما يفيد لنفسه لو كان يطرب في كلامه أو يكرره ليحفظه أو يتعبد به كما يتعبد الله تعالى بقراءة
القرآن، وهذه في حقه محال لتنزهه عنها. والثاني باطل لأن إفادة الغير إنما تصح لو خاطب غيره ليفهم مراده أو يأمره بفعل، أو ينهاه عن فعل، ولما لم يكن في الأزل من يفيده بكلامه شيئا من هذه كان كلامه سفها وعبثا. وأيضا يلزم الكذب في إخباره تعالى، لأنه قال: إنا أرسلنا نوحا (1)، إنا أوحينا إلى إبراهيم (2) وأهلكنا القرون (3)، وضربنا لكم الأمثال (4)، مع أن هذه إخبارات عن الماضي، والإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي
كذب تعالى الله عنه. وأيضا قال تعالى إنما قولنا لشيئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (5)، وهو إخبار عن المستقبل فيكون حادثا " إنتهى. " قال الناصب خفضه الله أقول: قد سبق الإشارة إلى النزاع بين
الأشاعرة والمعتزلة ومن تابعهم من الإمامية في إثبات الكلام النفساني، فمن قال: بثبوته فلا شك أنه يقول: بقدمه، لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى، ومن قال بأنه مركب من الحروف والأصوات، فلا شك أنه يقول بحدوثه ونحن نوافقه فيه
فكل ما أورده على
الأشاعرة فهو إيراد على غير محل النزاع، لأنه يقول: إن الكلام مركب
____________________
(1) نوح. الآية 1.
(2) النساء. الآية 163.
(3) يونس. الآية 13.
(4) إبراهيم. الآية 45.
(5) النحل. الآية 40.