من تبعهم من الإمامية أنه تعالى مريد للمأمور به كاره للمعاصي والكفر، ودليل
الأشاعرة أنه تعالى خالق الأشياء كلها، وخالق الشئ بلا إكراه مريد له بالضرورة والصفة المرجحة لأحد المقدورين هو الإرادة ولا بد منها، فإذن ثبت أنه مريد لجميع الكائنات. وأما
المعتزلة فإنهم لما ذهبوا إلى أن أفعال العباد مخلوقة لهم وأثبتوا في الوجود تعدد الخالق (1) يلزمهم نفي الإرادة العامة (2)، فالله تعالى عندهم يريد الطاعات ويكره المعاصي، فيأمر بالطاعات وينهى عن المعاصي لأنها ليست من خلقه. وعند
الأشاعرة أنه تعالى يريد الطاعات، ويأمر بها وهذا ظاهر ويريد المعاصي وينهى عنها، والأمر غير الإرادة كما مر في الفصل السابق وليس المراد من الإرادة الرضا والاستحسان، فقوله: إن
الأشاعرة يقولون: الله تعال يأمر بما لا يريده أراد به أن الله تعالى يأمر بإيمان الكافر ولا يريده، فالمحذور الذي ذكره من مخالفة العقلاء ناش من عدم تحقيق معنى الإرادة، فإن المراد بالإرادة هيهنا هو التقدير والترجيح في الخلق لا الرضا والاستحسان كما هو المتبادر، فذهب إلى اعتبار معنى الإرادة بحسب العرف، وإذا حققت معنى الإرادة علمت مراد
الأشاعرة، وأنه لا نسبة
للجهل والسفه إلى الله تعالى عن ذلك كما ذكره " إنتهى " أقول: كونه تعالى خالقا للأشياء كلها ممنوع، والاستناد بقوله تعالى لا إله إلا هو خالق كل شئ (3) ضعيف، لأنه عام مخصوص بما عدا ذاته تعالى وأفعال عباده، وقد بينا في الفصول السابقة أنه تعالى ليس بخالق لأفعال
____________________
(1) أي بالنسبة إلى الأفعال، فاللام عوض عن المضاف إليه أي خالق الفعل أو عهدي بقرينة المقام.
(2) أي العامة للطاعات والمعاصي.
(3) الأنعام. الآية 102.