من الحروف، ثم يقول بحدوثه، هذا مما لا نزاع فيه، نعم لو قال بإثبات الكلام النفسي ثم يثبت حدوثه يكون محل النزاع. وأما ما استدل به على الحدوث من قوله تعالى: وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث، فهو يدل على حدوث اللفظ ولا نزاع فيه، وأما الاستدلال بأن الأمر والخبر في الأزل ولا مأمور و لا سامع فيه سفه كما ذكره في طاماته، فالجواب أن ذلك السفه الذي ادعيتموه إنما هو في اللفظ، وأما كلام النفس فلا سفه فيه، ومثاله على وفق ما ذكر، إن الواحد منا لو جلس في بيت وحده منفردا ورتب (1) في نفسه أنواع الأوامر لجماعة سيأتون عنده ولا يتلفظ به، فلا يكون سفها ولا حماقة، بل السفيه من نسبه إلى السفه، فالكلام النفسي هو المعنى القائم بذات الله تعالى في الأزل، ولا تلفظ بذلك الكلام، بل هو لجماعة سيحدثون، ويكون التلفظ به بعد حدوثهم وحدوث أفعالهم التي تقتضي الأمر
والنهي والإخبار والاستفهام، فلا سفه ولا حماقة كما ادعاه، وبهذا الجواب أيضا يندفع ما ذكره من لزوم صدور القبيح من الله تعالى، لأن ذلك في التلفظ بالكلام النفسي، ونحن نسلم أن لا تلفظ في الأزل، بل هناك معان قائمة بذات الله تعالى قديمة. وأيضا يندفع ما ذكره من لزوم
الكذب، لأن
الصدق والكذب صفتان للكلام الذي يتلفظ به لا المعاني المزورة في النفس لمقولة بعد هذا لمن سيحدث. وأما الاستدلال على حدوث الكلام بقوله تعالى:
إنما قولنا لشيئ إذا أردناه إن نقول له كن فيكون لأنه إخبار عن المستقبل فيكون حادثا فالجواب عنه أن لفظ كن حادث، ولا نزاع لنا فيه، إنما النزاع في المعنى الأزلي النفساني، ولا يلزم من كون مدلول لفظة كن في ذات الله تعالى حدوثه " إنتهى. "
____________________
(1) ولقائل أن يقول لهذا الناصب أهذا الترتيب وما اتصف به من المرتبات هل هي إلا صور حاصلة وهل هي إلا من مقولة العلم، عصمنا الله من اللداد والعناد.