قلنا: هي غير العلم لأن من جملة الكلام الخبر، وقد يخبر الرجل عما لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشك فيه، فالخبر عن الشئ غير العلم به، فإن قال هو الإرادة، قلنا هو غير الإرادة لأن من جملة الكلام الأمر، وقد يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبر لعبده، أهو يطيعه أو لا فإن مقصوده مجرد الاختبار دون الاتيان بالمأمور به، و كالمعتذر من ضرب عبده بعصيانه فإنه قد يأمره وهو يريد أن لا يفعل المأمور به ليظهر عذره عند من يلومه، واعترض عليه بأن الموجود في هاتين الصورتين صيغة الأمر لا حقيقته، إذ لا طلب فيهما أصلا كما لا إرادة قطعا، وأقول: لا نسلم عدم الطلب فيهما لأن لفظ الأمر إذا وجد فقد وجد مدلوله عند المخاطب وهو الطلب، ثم إن في الصورتين لا بد من تحقق الطلب من الأمر، لأن اعتذاره واختباره موقوفان على أمرين: الطلب منه مع عدم الفعل من المأمور وكلاهما لا بد من أن يكونا محققين ليحصل الاعتذار والاختبار قال صاحب المواقف هيهنا: ولو قالت المعتزلة: إنه أي المعنى النفسي الذي يغاير العبارات (خ ل اعتبارات) في الخبر والأمر هو إرادة فعل يصير سببا لاعتقاد المخاطب علم المتكلم بما أخبر به أو يصير سبب لاعتقاده إرادته أي إرادة المتكلم لما أمر به لم يكن بعيدا، لأن إرادة فعل كذلك موجودة في الخبر والأمر، ومغايرة لما يدل عليها من الأمور المتغيرة و المختلفة، وليس يتجه عليه أن الرجل قد يخبر بما لا يعلم، أو يأمر بما لا يريد، وحينئذ لا يثبت معنى نفسي يدل عليه بالعبارات مغاير للإرادة كما تدعيه الأشاعرة هذا كلام صاحب المواقف، وأقول: من أخبر بما لا يعلمه، قد يخبر ولا يخطر له إرادة شئ أصلا، بل يصدر عنه الاخبار وهو يدل على مدلول، هو الكلام النفسي من غير إرادة في ذلك الاخبار لشيئ من الأشياء، وأما في الأمر وإن كان هذه الإرادة موجودة، ولكن ظاهر أنه ليس عين الطلب الذي هو مدلول الأمر، بل شئ يلزم ذلك الطلب، فأذن تلك الإرادة مغايرة للمعنى النفسي الذي هو الطلب في هذا
(٢٠٥)