ولكن الشرع كاشف عنهما لا يصح على مذهب المعتزلة فإنهم لم يقولوا: بتوقف حكم العقل بالحسن والقبح على انكشاف الشرع عنهما، بل قالوا: إن في ما هو حسنه وقبحه (1) نظري، لا يستقل العقل بمعرفة جهته المحسنة أو المقبحة، يكون الشرع كاشفا عن جهته، لا أن حكم العقل بالحسن والقبح مطلقا موقوف على كشف الشرع عن ذلك كما يفهم من كلام هذا الناصب الجارح بعيد ذلك، فبطل ما فرعه على ذلك بقوله: ففي المذهبين لا بد أن يؤخذ من الشرع إما لكونه حاكما أو كاشفا وذلك لعدم صحة الحصر المذكور، فإن العقل أيضا حاكم بالحسن والقبح في بعض أقسام الفعل من غير توقف على كشف الشرع عنه كما ذكرنا، فما ذكره صلح من غير تراضي الخصمين (2) كما لا يخفى، وكذا بطل ما حكم به من استواء الأشاعرة مع المعتزلة فيما يتوجه عليهم في هذا المقام وهو ظاهر، وأما ثانيا، فلأن تقديره لتسليم العقل بارد، كما أشرنا إليه، إذ يجب عليه تسليم ذلك بما سيذكره المصنف من الأدلة المثبتة للحسن والقبح العقليين، وأما منعه لحصول الخوف المذكور مستندا بعدم شعور الناس بما جعل سببا لذلك من الاختلاف، فمدفوع، بأن مراد المصنف بالاختلاف ليس مجرد الاختلاف الواقع من العلماء في هذ المسألة، بل ما يعم الاختلاف والتردد والاحتمال الذي ربما يحصل لعقل الشخص الواحد عند النظر
____________________
(1) حاصله أن ما كان حسنه وقبحه نظريا، لا استقلال للعقل فيه لمعرفة جهته المحسنة أو المقبحة.
(2) وتوجيه بما لا يرضى به المتحاكمان.
(2) وتوجيه بما لا يرضى به المتحاكمان.